تحيّة لروح الانفصالي موفّّق عصاصة

22 يناير 2023

موفق عصاصة .. أحد كبار الضباط السوريين في إنهاء الوحدة المصرية السورية في 1961

+ الخط -

توفي في أميركا، قبل أيام، اللواء المتقاعد موفق عصاصة، عن عمر 94 سنة. إنه أحد أركان الانقلاب الذي قاده في سورية عبد الكريم النحلاوي سنة 1961، وأدّى إلى انفصال الوحدة بين مصر وسورية. لم تدُم هذه المرحلة الانفصالية طويلاً، ففي الثامن من مارس/ آذار 1963، نفّذت مجموعة ضباط ناصريين وبعثيين، انقلاباً آخر، كانت محصلته استيلاء حزب البعث على السلطة. وضمن الحزب نفسه؛ استولت مجموعة من الضباط، يوم 23 فبراير/ آذار 1966، على السلطة بقيادة صلاح جديد، معلنة أنها يسارية، بينما القيادة السابقة يمينية (عفنة)، ومن المجموعة نفسها، انقضّ وزيرُ الدفاع، حافظ الأسد، على السلطة، سنة 1970، متهماً القيادة التي كان جزءاً منها، ومكّنها من تحقيق الهزيمة سنة 1967، بأنها مناورة، مستهترةً بمصالح الشعب العربي في سورية وبقية الأقطار العربية. ومعلومٌ أن حافظ مَكَّن خوازيقه في سورية، رويداً رويداً، حتى تمكّن من تحويلها إلى دولة أمنية، وراثية، مرعبة، وجاء أول وريثٍ من سلالته، بشار الأسد، سنة 2000، فجوّع شعبها، وأمعن في إذلالهم، وحوّل عمرانَها إلى ركام.

"البعث"، إذا كنتم تريدون الحقّ، حزب وحدوي من الطراز الرفيع، مذهبُه في تحقيق الوحدة مختصرٌ ومفيد: الإكثار من الكلام عن الوحدة، والدعوة إلى تحقيقها في الليل والنهار، والضرب بيد من حديد على يد مَن تسوّل له نفسه القيام بأية خطوة في سبيل الوحدة! في سنة 1963، ومن منطلق تَظَاهُر البعثيين بالحرص على الوحدة، أحالوا المشاركين في انقلاب الانفصال، وفي مقدمتهم موفق عصاصة، إلى محكمةٍ برئاسة صلاح الضلّي، واستخدمت في وصف التهمة الموجهة إليه عبارةُ "قَصْم" الوحدة بين سورية ومصر.

حديثي عن عداء "البعث" الوحدة العربية لا يعني أنني، محسوبكم، من مؤيدي الوحدة الذين يلومون البعثيين لأنهم فوّتوها، أو أنني أسخر منهم بقصد الإقلال من شأنهم.. فالحقيقة أنهم، وعلى الرغم من مسارعتهم إلى محاكمة الانفصاليين، يعرفون أن جمال عبد الناصر عرّاب الوحدة، الوحيدُ الذي يستطيع، بجماهيريته الكبيرة في مصر وسورية، تجديدَها. لذا سارعوا إلى شنّ حربٍ إذاعية عليه، وعلى أركان حكمه. وعبد الناصر، من جهته؛ لم يقصّر في هجاء بعثيي سورية، بواسطة مذيعه الردّاح أحمد سعيد، بل تشير معلومات إلى أن عبد الناصر رفض تلقّي أي اتصال من أية جهة سورية تطرح عليه فكرة إعادة الوحدة، فكأنه أراد أن يقول للسوريين، من الآخر: خالتي وخالاتك وتفرّقوا الخالات.

يا سيدي، ومع مرور الزمن، وبعدما وثب حافظ الأسد إلى السلطة، بالتزامن مع انقلاب معمّر القذافي في ليبيا، عادت نبرة الوحدة العربية لترتفع في الأجواء، ولم يعد أحد من الجوقة الإعلامية السورية يذكر اسم حافظ بفمه إذا لم يُضف إليه جملة قائد الأمة العربية، أو رمز الثورة العربية. والقذافي، من جهته، لم يقصّر في ادّعائه قيادة الأمة العربية. ولم يكن القائد صدّام حسين أقلّ منهما عروبة، وسرعان ما أطلقوا عليه لقب "صدّام العرب".. والمشكلة الحقيقية التي واجهت حافظ الأسد وصدّام حسين، في تلك الفترة، أن كليهما يحكمان باسم "البعث"، وأن "البعث" وحدوي، وهما يكرهان الوحدة، لأنها تعني تخلّي أحدهما للآخر عن القيادة، وكيف يتخلّيان، وكل واحد منهما مختص بقيادة الأمة العربية، والمثل يقول إن الشوفور (السائق) لا يتزوج خياطة، لأن كلاً منهما يسوق على مكنة.. وعليه، أصبحت الحرب بين النظامين السوري والعراقي، كما يقول كشّاشو الحَمام "على الشَمْط"، وأنا شخصياً حصلت على جواز سفر في الثمانينيات كُتِبَتْ عليه عبارة "عدا العراق".

لم يُسمح لنا، نحن السوريين، منذ 1963، أن نحكي كلمتين نظيفتين بحقّ فترة الانفصال، لأنها ما تزال تُشْتَم. أعتقد أنها من أحسن الفترات التي مرّت بسورية منذ الاستقلال 1946. وتحية لروح الانفصالي موفّق عصاصة.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...