تحية إلى إبراهيم المعمري

05 سبتمبر 2022
+ الخط -

كان لظهور الصحافي العماني إبراهيم المعمري الذي سبق أن ترأس تحرير صحيفتي "عمان" و"الزمن"، الصادرتين في مسقط، أخيراً ردود فعل فرحة بعودته، نظراً لما عرف عنه من بساطة ونبل على أكثر من صعيد. 
أشعل ظهوره أيضاً مشاعر الحنين النوستالجي لأيام صحيفة الزمن التي أسسها وترأس تحريرها فترة، وذلك لما تميزت به مما سمي "محاربة الفساد" والتصدّي لتجاوزات إدارية تطاول بعض القطاعات والمواطنين، وقد امتلكت الصحيفة هذا الهامش والمساحة، وسعت إلى أن تكون عنصر مراقبة لسير الوزارات والقطاعات الحكومية في عُمان، الأمر الذي شكّل يومها ظاهرة صحية لم تكن البلاد على عهد بها، إذ تستقي عادة الصحف معلوماتها من وكالة الأنباء الرسمية، مع عدم إغفال بعض المقالات الخاصة والتحقيقات الخدمية التي كانت تقوم بها الصحف المستقلة، كما حدث مثلاً في حالة الإعصار جونو الذي تعرّضت له عُمان، وغيرها من مواضيع ذات طابع خدمي وشعبي. لم تكن "الزمن" تخرج كثيراً عن هذا الخط، ولكنها تضيف إليه هامشاً يتعلق بكشف تجاوزات كانت تحصل على ما يؤكد حدوثها بصورة حصرية أو بطريقتها الخاصة، الأمر الذي ألب عليها ضغطاً أدى إلى توقيفها أكثر من مرّة. وشكل هذا التوقيف المتوالي ضغطاً مالياً على الصحيفة، اضطرت فيه إلى تسريح موظفيها، فضلاً عن ضغوط مالية أخرى طاولت رئيس تحريرها الذي اختفى عن الأنظار فترة، بسبب الحجز الذي تعرّض له أكثر من مرة في سياق هذه القضايا المالية المتراكمة.
إبراهيم المعمري كادر صحافي مهم، في زمن تشجع فيه الدولة على المحاسبة ونبذ التبذير، إذ إنّ عهد السلطان هيثم يشهد تجفيف كثير من منابع التبذير، ومالت الحوافز المالية نحو المساواة بين موظفي الدولة، وأوقفت علاوات تمييزية كان يحصل عليها بعض موظفي قطاعات وزارية معينة دون أخرى. 
وعرف إبراهيم المعمري بدماثته وهدوئه الملحوظين، وهو شاعرٌ في الأصل، أصدر أول دواوينه "بهو الشمس" عن منشورات مجلة نزوى. وأتذكر أن مقاطع منه قرئت، قبل نشره، في مهرجان شعري أقيم في التسعينيات في مسقط، شارك فيه الشعراء عبد الوهاب البياتي وسعدي يوسف وسميح القاسم وأمجد ناصر ومحمد القيسي وميسون صقر القاسمي وقاسم حداد وآخرون. وأتذكر إعجاب أمجد ناصر بالقصائد التي سمعها من إبراهيم المعمري، وتكراره لي أكثر من مرة بسؤاله عن هذا الشاعر الذي لم يكن يسمع عنه من قبل.
لم يكن إبراهيم المعمري خارجاً على الخط العام للدولة، ويكفي أن نتذكّر أنه كان رئيساً لتحرير الصحيفة الرسمية الأولى "عُمان" فترة، وكان في الأثناء يتحرّك حسب الهامش المتاح. وبذلك ستكون حكيمةً عودته إلى مجال الصحافة الذي خبره منذ سنواته الأولى. وفي هذه المرحلة، مطلوب تفعيل الصحافة الاستقصائية التي تبحث عن الحقيقة، ولذلك لا بدّ أن يكون القلم الصحافي غير خائف، بل يجب أن يكون مدعوماً، لأنّ هدفه، في النهاية، أن يكون مساعداً ورديفاً لعمل الجهات الرقابية على المال العام، فطالما لدى الصحافي مصادره الحرّة من المهم أن يكون لديه هامش من الحرية، خصوصاً أن في العهد الراهن ثمّة نوع من الانفتاح الحميد، من المطلوب أن يزداد ويتسع أكثر.
من الممكن أن يُستفاد من الخبرة الإعلامية للزميل إبراهيم المعمري في تنشيط العمل الصحافي الاستقصائي، عيناً ثالثة للحكومة، تعمل معها جنب إلى جنب لرصد أي ثغرات أو تجاوزات قد تحصل، وهي ظاهرة صحية ومنسجمة مع تطلعات الحكومة، بقيادة السلطان هيثم بن طارق. ومن الواجب الحرص على إنشاء وتسهيل تأسيس صحف مستقلة، يتمتع صحافيوها بسقف من الحرية، كل منصف ومتابع يستطيع أن يعرف مدى التطور الصحافي في السلطنة، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، والحماية التي كفلها النظام الأساسي للدولة لحرية التعبير، وهناك دائماً أمل في أن يرتفع سقف الحرية ويتسع.

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي