بوتين يقرقع مَتّة

11 أكتوبر 2015
+ الخط -

الظاهرة التي سأتحدث عنها، هنا، تخصُّ الدولَ المتخلفة التي يُدَلِّعُونها، أحياناً، فيسمونها: دولَ العالم الثالث، أو الدول النامية، أو السائرة على طريق التقدم.. ومن تنويعاتِ تسمياتها، أيضاً، دول عدم الانحياز، ودول الممانعة، ومحور المقاومة، أو؛ كما يقول حسن نصر الله، ‏(المُؤَاوَمة).

تتلخص هذه الظاهرة بحكايتين. الأولى، حكاية البغل الذي سُئل عن أصله وفصله، فسارع إلى القول: الحصان خالي. وأضاف موضحاً أن خاله الحصان أصيل، أصلُه وفصله مُدَوَّنان في القيود والسجلات. والثانية، حكاية الرجل العِنِّين الذي طَلَّقَتْهُ امرأتُه بسبب العنانة، لكنه رَدَّ الاعتبار لنفسه أمامها حينما رمقها بالعين الحمراء، وأخبرها أن الرجل الفحل الذي تزوجتْه من بعده، هو ابن عمه.

كان أجدادُنا، الخارجون من حرب عالمية أولى؛ الداخلون في خضم حرب عالمية ثانية؛ الغارقون بالجهل والفقر والخوف، يكرهون اليهود كراهية عامة، خالصة لوجه الله تعالى، ويكرهونهم كراهية خاصة متعلقة بوعد بلفور المشؤوم، الذي أدّى إلى قدومهم، زرافات ووحداناً، إلى الشقيقة فلسطين، بغية مزاحمة أهلها على أرضهم، وإخراجِهم من ديارهم ظلماً وعدواناً. ولأجل ذلك، فرحوا واستبشروا، حينما وردتْهم الأخبار القائلة إن الزعيم الألماني، أدولف هتلر، بدأ يُحَمّي الأفران، وأنه أوعز لمساعديه المخلصين بأن يملأوا الشاحنات باليهود، وينقلوهم إليها، ويحرقوهم وهم أحياء، فصاحوا صيحة الرجل الواحد: الله أكبر.. الله أكبر. وأردف واحدٌ منهم يقول: هذا الرجل، هتلر، في قلبه شيء لله. وأنا، سبحان الله، بالمصادفة، كنت في المدينة، وشاهدتُ له رسماً في الجريدة (الكاظّيطا)، وإذا به رجل جميل، ما شاء الله كان، وجهه منوّر، وعامر بالإيمان، الله يحميه. وأنهى حديثه مقترحاً عليهم تسميته الحاج محمد هتلر. وهذا ما كان.

ليست الفكرة، هنا، الدفاع عن اليهود، أو اليهودية، أو مشاركتهم في مظلوميتهم ومَنْدَبَتِهم. لا؛ بل يجب التذكير بأن اليهودية السياسية (الصهيونية) هي من أكثر الحركات العالمية خبثاً وإجراماً، لكن جهلنا بطبيعة هتلر النازية، العنصرية، الديكتاتورية، الدموية، وعدائه جميع الناس والأقوام، وبضمنهم العربُ والمسلمون، جعلنا نراه ملاكاً طاهراً، وسوّغنا له جريمته التاريخية المقززة التي تتلخص بإحراق الناس وهم أحياء، وأسبغنا عليه رتبتين، من أكثر ما نعتزُّ به من رتب الإسلام: الحاج ومحمد.

لو كان هتلر مسلماً (بالفعل وليس بالتمني) لكان علينا أن نكرهه، وندينه، ونجرّده من إسلامه؛ لأن سلوكه الاستبدادي الظالم يتعارض مع الشرائع السماوية التي تقوم على العدل وحماية الإنسان من الظلم. ولعله من الواجب أن نذكّر بأن النبي محمداً حينما أرسلَ أصحابَه إلى الحبشة، أوضح لهم أن فيها ملكاً لا يُظْلَمُ عنده أحد. ولم يكن ملكُ الحبشة مسلماً.

مرت ثلاثة أرباع القرن على هذه (الحدوتة)، وأبناء هذه البلاد المتخلفة، أو النامية، أو أو أو.. يسيرون على المنهج نفسه، تقريباً، فالعربي الذي يكره الأكراد كان يوجه التحيات (خَص نَص) للقائد التاريخي صدام حسين الذي ضربهم بالكيماوي. وبعض الذين انخرطوا في الثورة ضد نظام حافظ الأسد المجرم، يحتفظون بذكرى عطرة لصدام ويسمونه الرئيس الشهيد، لأن إجرامه كان يطاول الشيعة والأكراد أكثر من العرب وأهل السنة. وذهب بعضهم في تمجيده إلى حد أنْ رَكَّبَ، بالفوتوشوب، صورة له وهو يحتضن الطفل الكردي الذي لفظت أمواج البحر جثته، مع إشارة إلى أنه لو كان حياً لَلَعَنَ سنسفيل أجداد إيران، وأميركا، وروسيا، وإسرائيل، وبيت الأسد، قَشّة لَفّـة.

على المبدأ نفسه، رحب مؤيدو نظام الأسد، وبينهم، للأسف، جامعيون ودكاترة، بالغزو الروسي لسورية، وأكدوا أن القائد العظيم فلاديمير بوتين، لم يأت لأجل مصالح بلاده الاقتصادية، والاستعمارية، والمطالبة بحصة روسيا من الكعكة، بل؛ لأن أصله سوري، واسم جَدِّه أبو علي، وكان يحب التين، ويعرف باسم: بو.. تين. وبالعلامة كان (يقرقع مّتّة)!

 

    

 

 

    

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...