بعد عقدين، الموساد فجّر البرجين!
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.
بعد عقدين من تفجيرات "11 سبتمبر"، لا تزال نظرية المؤامرة منتشرةً، سواء في أوساط العرب والمسلمين أو الأوساط الأميركية، وهو ما يمنع من الاعتبار وتعلم الدروس مما حدث خصوصاً في منطقتنا، فلدى الأميركي أفضل الأنظمة الاقتصادية والسياسية التي تجعل خسائر جهل الأقلية محتملة، وهو ترفٌ لا نتمتع به.
في استطلاع رأي أجري في عام 2007، في إطار مشروع تعاوني لمراكز البحث في مختلف البلدان، يديره برنامج مواقف السياسة الدولية في جامعة ميريلاند، كوليدج بارك، استطلعت آراء 16063 شخصاً في 17 دولة خارج الولايات المتحدة خلال صيف عام 2008، ووجد أنّ أغلبية في تسع دول فقط من أصل 17 دولة تعتقد أنّ "القاعدة" نفذت الهجمات، وكلها دول غير عربية. أما عربياً فرأت الأكثرية في الأردن ومصر أنّ إسرائيل وراءها.
وفي استطلاع على مستوى أميركي، ظهر أن 36% يعتقدون، إلى حد ما، أو من المحتمل جداً، أن يكون المسؤولون الأميركيون إما شاركوا في الهجمات أو لم يتخذوا أي إجراء لوقفها، لأنهم أرادوا أن تخوض الولايات المتحدة حرباً في الشرق الأوسط.
طبعاً، لدى المؤمنين بنظرية المؤامرة تفصيل ذلك، وكيف نبهت المخابرات الإسرائيلية اليهود قبل التفجيرات ولم يذهبوا إلى عملهم في البرجين! المفارقة أنه لا توجد عملية في التاريخ والثقة بالصوت والصورة في أثناء التخطيط والتدريب والتنفيذ مثل تفجيرات "11 سبتمبر"، القاعدة بجهازها الإعلامي؛ مؤسّسة السحاب، وثقت وصايا المنفذين وتدريباتهم واجتماعات المخططين، وظلّت تبثها تباعاً في ذكرى التفجيرات، في إطار محاولاتها لتجنيد عناصر جديدة. تبنّى زعماء القاعدة بن لادن الظاهري وغيرهما العملية، وقدّموا أسبابها وأهدافها في تسجيلات مصوّرة. فوق ذلك، اعتقل عديدون من القيادات وقتل البقية؛ العقل المدبر خالد الشيخ، وهو المهندس الذي درس في أميركا، ورمزي بن الشيبة، وغيرهما. لا توجد شخصية غامضة أو خفية، سواء مخطّطين أم منفذين من قيادات "القاعدة" إلى قائد المجموعة المنفذة، المصري محمد عطا، الذي درس الهندسة في ألمانيا، وصولاً إلى بقية المنفذين الذين توزّعوا بين جنسيات سعودية وإماراتية ولبنانية.
من أسباب الإيمان بنظرية المؤامرة سؤال من المستفيد، لا ريب أن الخاسر نحن وقضايانا، والمستفيد أسوأ ما في الغرب.
بعد عقدين، يظهر نجاح "القاعدة" عملياتياً. نجحت استراتيجية جرّ أميركا إلى المنطقة وخسارتها المذلّة في حربي أفغانستان والعراق، خسرت أكثر من خمسة تريليونات دولار وأكثر من 5000 قتيل، لكن خسارتنا كانت أكبر. خسرنا ركيزة المشرق العربي العراق. وخسرنا عشرات الآلاف من القتلى والجرحى في معركة عبثية وعدوان خارجي. تراجعت قضايانا، سواء القضية الفلسطينية أو قضايا العرب والمسلمين، صار الإسلام مقترناً بالإرهاب، وقدّمنا اليمين المتطرّف في الغرب الذي انتقل من الهامش إلى المتن، حتى الظاهرة الترامبية استفادت منها.
خسرنا قضية الديمقراطية في العالم العربي. صحيح أنّ بوش الابن ألقى خطابه الشهير في عام 2005، وحضّ العرب على الديمقراطية، مفسّراً أن الأميركيين ضحّوا بالديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي من أجل الأمن فخسروا الاثنين. الديمقراطية هي الضحية الأولى في منطقتنا، الأنظمة العربية استخدمت مقولة الحرب على الإرهاب لقمع الشعوب، وصارت المطالبة بالحرية مرتبطة بالإرهاب.
بعد 20 عاماً، لا تزال أحداث "11 سبتمبر" تستخدم لابتزاز دول المنطقة، وليس آخرها قانون جاستا وما تلاه. استفاد أعداء أميركا من ضعفها عقب التفجيرات، وخصوصاً روسيا والصين، تماماً كما استفادت حليفتها إسرائيل التي بدت الشريك الأول في محاربة الإرهاب، وصار إرهابها في احتلال الأرض محاربة للإرهاب. لكنّ هذا لا يعني أبداً أنّها وراء التفجيرات، تماماً كما روسيا والصين بعد عقدين، الموساد فجّر البرجين!
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.