بعد انتخابات الكويت
أنّ عشرة برلمانات في الكويت جرى حلّها بمراسيم أميرية، من بين 16 برلماناً منتخَباً، منذ المجلس التأسيسي في عام 1962، (أكثر من النصف)، لغير سببٍ وسبب، هذا أمرٌ لا يجعل من المضمون، والمؤكّد، أن مجلس الأمة (البرلمان) السابع عشر، المنتخَب يوم 29 الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول)، سيكون في منجاةٍ من الحلّ، وللسبب التقليدي إياه، الخلافات بين الحكومة والجسم النيابي، بمعنى اختلال العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. ولمّا كانت الكويت الدولة الوحيدة، من بين شقيقاتها دول الخليج، تأخذ مبكّراً بالاقتراع المباشر لانتخاب ممثلي الشعب، وهذا مبعثُ اعتزاز نخبة هذا البلد، ولمّا كان هذا التمرين الديمقراطي الطيّب يطوّر نفسَه بنفسه، بالتقدّم إلى الأمام، (وإنْ في أجواء انتكاساتٍ بين ظرفٍ وآخر)، من قبيل إقرار حقّ المرأة في التصويت والترشّح في عام 2006، فإن تعزيز هذا التمرين وثباتَه في مناخٍ من الاستقرار المؤسّساتي حاجةٌ ملحّةٌ في البلاد، فلا يظل الحلّ هو الحلّ كلما استشعرت الحكومة أن تجاوزاً يجري بصددها لخطوطٍ مفترضةٍ أو مرسّمةٍ أو متوهمّة. وهذا المجلس الجديد، المنتخَب وفق نظام اقتراع جديد، صوت واحد لكل ناخب (يستطيع الكويتيون وحدهم إفادتنا بما إذا كان أفضل أو ليس كذلك؟)، تُحرز فيه المعارضة نحو 60% من مقاعده، من بين 50 عضواً، وهو الذي جاء بديلاً عن البرلمان المنتخب في 2020، المنحلّ بمرسوم أميري في أغسطس/ آب الماضي. وهذا معطىً يسوّغ تحسّباً من أن يلقى هذا المجلس مصير سابِقه، سيّما وأن 27 نائباً جديداً فيه، وسيّما أن المعارض المخضرم أحمد السعدون عاد نائباً فيه، والمرجّح أن يكون رئيس المجلس (لم يترشّح مرزوق الغانم)، وسيّما أن وجوهاً شبابية جديدة دخلته، وسيّما (عذراً عن التكرار) أن ثلاثة وزراء خسروا مقاعدهم النيابية.
هذه الملامح المستجدّة في مجلس الأمة الكويتي الجديد، وأخرى غيرها (زيادة الكتلة الشيعية من ستة مقاعد إلى تسعة، عودة المرأة بمقعديْن بعد غيابها في مجلس 2020، ...)، قد تجيز لمراقبٍ، عن كثبٍ وعن غير كثب، أن يتوقع فاعليةً أكثر نضجاً في مزاولة البرلمان دورَه الرقابي لأداء الحكومة ومساءلتها، في صيغةٍ بعيدةٍ عن التربّص والمكايدة والرغبة الاستعراضية في تسجيل النقاط، ومحتكمة، في الوقت نفسه، إلى وجوب تمثيلٍ حقيقيٍّ للمواطنين حماية للمصلحة العامة، وتعزيز مفهوم المشاركة البنّاءة، بل والخلاقة إن أمكن، والشجاعة بالضرورة. والكويت في أشدّ الحاجة إلى التقدّم بديمقراطيتها الخاصة نحو آفاقٍ تغادر فيها المراوحة التي تقيم فيها منذ سنوات، ما يحتاج، وجوباً، أن تتعزّز الديمقراطية، بأبعادها الليبرالية، ثقافةً مجتمعيةً، الأمر الذي يتطلّب (عذراً عن نبرةٍ وعظيةٍ قد يستشعرها قارئٌ حصيفٌ هنا) تخفّفاً في البرلمان (والمجتمع) من النزوعات المحافِظة، وذات السمْت الديني الظاهر، والتي تتوسّل المماحكات وافتعال قضايا جانبيةٍ في مخاصمة وزيرٍ في هذا المطرح أو ذاك، ومغادرة هذه المربّعات باتجاه تثمير التجربة السياسية الكويتية، الاستثنائية بحقّ في الخليج، نحو حياةٍ حزبيةٍ مثلاً، وتشكيل حكوماتٍ ذات أغلبياتٍ برلمانيةٍ، وتطوير المجتمع المدني. والكويت مؤهلةٌ للذهاب إلى أشواط مثل هذه، بما راكمته نخبُها من منجزاتٍ على غير صعيد، منذ صاغ المجلس التأسيسي دستور البلاد في 1962، وقال عضو ذلك المجلس، أحمد الخطيب، إن الوصول إلى الدستور ما كان له أن يكون لولا نضال الكويتيين الشعبي والقومي، ولولا وجود الأمير الراحل عبد الله السالم في الحكم، وصولاً إلى سقوط المتحمّسة للتطبيع مع إسرائيل، فجر السعيد، ونجاح مرشحيْن وهما في السجن، في انتخابات يوم الخميس الماضي.
يتحسّب واحدُنا من أنفاسٍ طائفيةٍ في الكويت وبرلمانها، تكاد تخدش الوحدة الوطنية بين المواطنين، لولا الوعي المتقدّم لدى الشباب وأهل التجربة والخبرة، ولولا الخطاب المتقدّم للسلطة. ويتحسّب أيضاً من تأرجح حضور المرأة في مؤسّسات التمثيل المجتمعي العام، من أربع نائبات في مجلس 2009 إلى واحدة في مجلس 2016 إلى غيابها في مجلس 2022، وعدم نجاح المرشّحة الوحيدة في انتخابات المجلس البلدي في يونيو/ حزيران الماضي. وهذه عودة المرأة بنائبتين (إحداهما منقّبة) تبعث على شيءٍ من التفاؤل بأن تهتزّ العقلية المحافظة القوية في البلاد .. وبعد كل كلام، وبعد غبطةٍ مستحقّةٍ بمزاج تغييرٍ مبشّر في البرلمان الجديد، يُؤمَل أن نعاين حالةً أخرى ومختلفة، فيه، لا تُواجَه بحلٍّ غير مرغوبٍ طبعاً.