بعد الانتخابات في قطر

04 أكتوبر 2021

صندوق اقتراع في دائرة انتخابية لمجلس الشورى القطري في الدوحة (معتصم الناصر)

+ الخط -

يمكن حسبان نسبة المشاركة في انتخابات مجلس الشورى (البرلمان) القطري، أول من أمس السبت، 63,5% جيدة جدا. ويمكن تلقّي عدم فوز أي امرأة من 28 مترشّحة (بين 248 متنافسا) بأيّ من المقاعد الثلاثين خبرا غير طيب، وإنْ ليس مفاجئا. ويمكن، من قبلُ ومن بعد، اعتبار إنجاز هذه الانتخابات، المباشرة بالاقتراع السرّي، الأولى من نوعها، والتي سيعقبها تعيين أمير البلاد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، 15 عضوا لإكمال عدد أعضاء المجلس الـ45، خطوةً متقدّمةً باتجاه تحديثٍ متدرّجٍ في منظومة البنية السياسية في دولة قطر، معلومٌ أنها سُبقت بإنجاز ستة مواسم لانتخاب أعضاء المجلس البلدي المركزي، منذ 1999، نجحت في آخرها (العام 2016) سيدتان من بين 29 عضوا فائزا. ولعل المفصل الأهم في هذا التحديث إعلان دستور دائم للبلاد في 2004، أقرّه القطريون بنسبة 96,6% في استفتاءٍ جرى عام 2003، وأعطى لعضو مجلس الشورى حقّ توجيه استجوابٍ لأي وزيرٍ في الحكومة ضمن اختصاصاته، بموافقة ثلثي أعضاء المجلس. ونصّ على أن كل وزير مسؤولٌ أمام المجلس عن أعمال وزارته. واشتمل الدستور على آليةٍ لطرح الثقة بالوزير في مجلس الشورى الذي يتولّى "سلطة التشريع، ويقرّ الموازنة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على السلطة التنفيذية..". ولمّا أعلن الأمير، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، عن إجراء انتخابات السبت الماضي، فإنما كان هذا هو المقتضى الذي ينصّ عليه الدستور.
والمرتقب، أو المأمول على الأصحّ، أن يزاول أعضاء المجلس المنتخبون، ومعهم زملاؤهم المعيّنون لاحقا، هذه الصلاحيات والمسؤوليات، وأن يقيموا في كل مساحات السلطة التي يُزجيها إليهم دستور بلدهم، بكيفيةٍ تحقّق الجوهري في العمل البرلماني، وتعطي صورةً لمجلس الشورى أمام المواطنين بأن هؤلاء الأعضاء إنما يؤدّون الواجب الرقابي المطلوب، ويطرحون المساءلات التي في مواضعها للحكومة. وربما يدفع أمرٌ كهذا من أعضاء مجلسٍ ثلثاه منتخَبون باتجاه تقدّم في أفق زمني لاحق نحو مزيدٍ من خطوات التحديث المتدرّج الذي في الوسع أن يقال إن قطر أخذت به على غير صعيد. وقد كانت "الشورى" من الأسس التي قامت عليها الدولة، وذلك بتشكيل أول مجلسٍ في هذا الخصوص، بعد أقلّ من عام على الاستقلال، في النظام الأساسي المؤقت الصادر في 1972.
لم يعمد المسؤولون في دولة قطر إلى مبالغاتٍ فلكلورية معهودة عربيا في تعظيم المناسبات الشعبية، ولم يدّعوا أنهم انتهجوا الديمقراطية المعلومة. إنما قال رئيس الوزراء، الشيخ خالد بن خليفة، إن التصويت يُضاف إلى رصيد بلاده "في توسيع المشاركة الشعبية في صناعة القرار"، والمرجوّ أن يتمّ التطلّع دائما إلى مراكماتٍ متتابعةٍ في هذا الرصيد بمزيدٍ من هذا التوسيع. وفي البال أيضا أن نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن، قال، في محاضرةٍ في نيويورك أخيرا، إن مجلس الشورى الجديد مخوّلٌ بمعالجة قيدٍ قانوني لا يسمح لجزءٍ من السكان بالمشاركة في الانتخابات. وفي الوسع أن يقال هنا، إذا ما تمّ البناء على هذا المعطى، وعلى الأريحية والسلاسة في جريان العملية الانتخابية، ترشيحا واقتراعا، إن أسبابا للتفاؤل في غير أمرٍ وشأن يخصّ مضيّ دولة قطر في مشروعها الداخلي الخاص، بالتوازي مع نجاحاتها الدبلوماسية الخارجية الظاهرة.
ويجوز النظر إلى المناسبة الانتخابية المستجدّة في قطر معطىً متقدّما، وإنْ بحدود، في مسألة المشاركة الشعبية في الفضاء الخليجي، فإذا كانت الخيبةُ المفردةَ التي يمكن الجهر بها بشأن الانتكاسة الحادّة التي عرفتها التجربة البرلمانية في البحرين، بعد أن كانت واعدةً مع استئناف انتخابات مجلس النواب بموجب دستور عام 2002، فإن الآمال باقيةٌ في أن تعود الحياة البرلمانية في الكويت إلى الإيجابية والحيوية المحمودتين في أداء مجلس الأمة المنتخب. كما هي الآمال بشأن ما يمكن أن يبادر إليه مجلس الشورى العُماني، المنتخَب مباشرة، والذي يُحرز صلاحياتٍ تتجاوز تقديم المقترحات. ولمّا أخذت العربية السعودية بانتخاباتٍ بلديةٍ مباشرة، بمشاركةٍ للمرأة فيها، فإن خطوات الإصلاح التي يباشرها صانع القرار هناك يمكن لها أن ترمي نظرةً إلى مجلس الشورى المعيّن. الأمر الذي لا غضاضة في أن يقال مثله أيضا، بشأن المجلس الوطني الاتحادي في الإمارات، سيما وأن خطوة انتخاب هيئةٍ ناخبةٍ تنتخب مرشّحين فيه استحقّت تنويها في وقتها قبل عقد ونصف العقد، وسيما أن الحاجة ملحّة لإعطاء هذا المجلس شيئا من سلطة الرقابة على الحكومة.

يسّرت الانتخابات في قطر الإتيان الموجز هنا على المشهد البرلماني في دول الخليج، فيما تفاصيلُه كثيرة.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.