انقلاب التهدئة إلى تصعيد

23 اغسطس 2024
+ الخط -

أيام قليلة كانت كافية لقلب مؤشّرات الأوضاع في المنطقة، فبعدما كان منسوب التفاؤل مرتفعاً بإمكان التوصل إلى وقف مؤقت للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، ومعه احتمال تراجع إيران وحزب الله عن تنفيذ تهديداتهما بالردّ على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنيّة، والقيادي في الحزب، فؤاد شكر، تدهورت الأمور على نحو مفاجئ، ليصبح التصعيد سيد الموقف، مع تصاعد كبير في احتمالية توسع الحرب لتطاول لبنان، حتى قبل أن ينفذ حزب الله وإيران تهديدهما.

ماذا حدث؟ ... خلال الأسبوع الماضي، ظهرت مؤشّرات بشأن الجدّية الأميركية في الضغط على إسرائيل للقبول بوقف إطلاق النار في قطاع غزّة خشية توسّع الحرب، وهو ما تجلى في اجتماع الدوحة يوم الجمعة الماضي، والبيان الذي صدر بعده، بطلب أميركي، للإيحاء بأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، رغم عدم مشاركة حركة حماس في المفاوضات، غير أن الأيام التالية أظهرت أن العجز الأميركي عن الضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو لم يتغيّر. فعلى غرار جولات التفاوض الكثيرة السابقة، والتي انتهت إلى النتيجة نفسها، لم تفلح المحاولات الأميركية في دفع نتنياهو إلى التراجع عن شروطه لإبرام الصفقة، وهي الشروط التي ترفضها "حماس"، فلا وقف نهائياً للحرب، والهدنة، وإن كانت طويلة، لا تعني نهاية العمليات العسكرية التي يمكن أن تعود في أي لحظة. كذلك لا انسحاب إسرائيلياً من قطاع غزّة أو محور فيلادلفيا، وتفتيش اللاجئين العائدين إلى شمال القطاع، ما يعني بقاءً طويل الأمد لقوات الاحتلال في القطاع. إضافة إلى ذلك، لا حديث حالياً عن إعادة الإعمار، في ظل عدم الاتفاق على من سيدير القطاع في اليوم التالي للحرب، والذي لا يزال بعيداً على ما يبدو.

وخلال اجتماع يوم الجمعة الماضي أيضاً، جرى الحديث عن إجماع فلسطيني فلسطيني بين السلطة وحركة حماس للتفاهم بشأن من يتولى إدارة معبر رفح من الجانب الفلسطيني خلال فترة الهدنة أو بعد نهاية الحرب، وهو ما كان سيشكّل مؤشّراً على هوية الطرف الذي يمكن أن يدير القطاع لاحقاً. غير أن هذا الاجتماع لم يحدث، بعدما أكّدت "حماس" تمسّكها بالشروط التي وضعتها سابقاً للموافقة على اتفاق تبادل الأسرى، وفقاً لمبادرة الرئيس الأميركي، جو بايدن، والتي تراجعت عنها الإدارة الأميركية وعدّلتها لتلائم مطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي.

رغم هذه المؤشّرات والوقائع، تعقد جولة جديدة من المفاوضات في القاهرة خلال اليومين المقبلين، من دون تحديد موعد نهائي لها بعد، إذ لا تزال الولايات المتحدة تصرّ على إمكان عقد الصفقة، مطالبة الأطراف في المنطقة بالضغط على "حماس" لقبول ما جرى التفاهم عليه يوم الجمعة، بعد فشلها في تغيير موقف نتنياهو.

من غير المتوقع أن تصل هذه الجولة التفاوضية، والتي قد تكون الأخيرة في الفترة المقبلة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، إلى أي نتيجة إيجابية، ومع انتهائها ستكون المنطقة أمام مخاطر مفتوحة، بعدما كان رد إيران وحزب الله على الاعتداءين الإسرائيليين مربوطاً، وفق تصريحات إيرانية على الأقل، بوقف العدوان على غزّة، والذي كان من الممكن أن يحصل جزئياً في حال وصلت المفاوضات إلى نتيجة.

وحتى قبل الإعلان النهائي عن فشل المفاوضات، تصاعدت، إلى حد كبير، التوتّرات على الجبهة اللبنانية، بعد توسيع إسرائيل من مدى استهدافاتها في الداخل اللبناني، وهو ما ردّ عليه حزب الله بالمثل. فالحديث اليوم ليس فقط عن تصعيد على الجبهة الشمالية مع لبنان، بل عن حربٍ واسعةٍ بدأت دولة الاحتلال بالاستعداد لها، ومعها عملياً الولايات المتحدة التي أرسلت حاملة طائراتٍ ثانية إلى المنطقة تحسّباً لاندلاع مواجهة كبرى خلال الأيام القليلة المقبلة.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".