انتظروا عالم "ميتافيرس"
لم يتّضح بعد المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الصرعة الجديدة التي تحمل اسم "ميتافيرس" في استقطاب ملايين البشر ودمجهم في عالم افتراضي بالكلية، وما قد تحمله تلك النقلة الجديدة من إيجابيات ومخاطر.
دفع مارك زوكربرغ 60 مليون دولار لشراء العلامة التجارية "ميتافيرس".. هكذا وببساطة، أصرّ على أن يمتلك، أو بالأدق يخلق، ذلك المعنى والمفهوم الكامن في الاسم "الكون الماورائي". ثم راح يطرح مشروعه الجديد على العالم إلى البشرية بذكاء شديد، حيث أعلن، فجأة ومن دون مقدمات، فصل منصّة فيسبوك عن الشركة الأم، وتغيير مسمّى الأخيرة إلى "ميتافيرس". وبدا الأمر في البداية غريباً وغير مفهوم، إذ لم يكشف زوكربرغ عن أسباب هذا التغيير في الأسماء وفصم الصلة الإدارية بين الشركة الأم ومنصاتها. الأمر الذي لفت انتباه مئات الملايين من عملاء الشركة ومستخدمي مختلف منصّاتها الإلكترونية في أنحاء العالم. وصار السؤال الذي يلحّ على الجميع: ما هو ذلك الميتافيرس؟
وقبل أن تهدأ فورة التساؤل والشغف العالمية لفهم ماذا يريد، كشف مارك عن المضمون والتوجه الكامن وراء هذا التغيير، وإن لم يعلنه صراحة، فقد اكتفى بتوضيح أن الشركة الأم ستركز أعمالها في المستقبل على تحويل العالم إلى بيئةٍ يتداخل فيها الافتراضي مع الواقعي، من خلال خلق بيئة إلكترونية يتعامل فيها المستخدم مع المنصات والخدمات المقدمة إليه، تماماً كما لو كان في حياته الحقيقية، والعكس، فتصير العلاقة بينهما متكاملة ومندمجة، بحيث يمكن للإنسان الانتقال عبر الفضاء الإلكتروني إلى أماكن مختلفة، ومقابلة أشخاص، وعقد اجتماعات وإجراء مفاوضات واتخاذ قرارات بناء على معطيات ومعلومات، بشكلٍ يجمع بين جوانب افتراضية وأخرى واقعية فعلية من هذه الأنشطة أو الخدمات.
قد ينتقل الإنسان إلى بلاد أخرى أو حتى كواكب خارج الأرض، افتراضياً، لكنه، في الوقت ذاته، يستند إلى معلومات ومعطيات و"داتا" حقيقية وواقعية كفيلة بتوفير متطلبات اتخاذ قرار ما، أو التوقف عن الزيارة الافتراضية لذلك المكان، لأن فيه أعاصير أو حالة تلوث في الواقع الحقيقي. وقد شرعت السعودية في الانضمام إلى تلك القفزة نحو المجهول، حيث أعلنت عن منصّة إلكترونية يلمس البشر من خلالها وعبر استخدام الميتافيرس الحجر الأسود افتراضياً، وكذلك زيارة الأماكن المقدسة. أي أن أسابيع قليلة كانت كافيةً لأن تصبح الأماكن المقدسة والطقوس الدينية جزءاً من ذلك "العالم".
يستطيع الإنسان، في هذا العالم الجديد، أن يلتقي أشخاصاً غير موجودين في الواقع. وذلك باستخدام تقنيات التجسيد المرئي الافتراضي "الهولوغرام". وبفضل الذكاء الاصطناعي المذهل، سيسهل تماماً التعامل مع تلك الشخصيات والحديث معها بشكل طبيعي، كما لو كانت قائمة على أرض الواقع. بما يتجاوز حدود مشاهدتها على شاشات واستدعاء تسجيلات قديمة لها أو حتى تعديلها، وإنما وصولاً إلى تجسيدها ثلاثياً ودمجها في الواقع الذي يريده المستخدم ويشكله هو كيفما يريد. بل وتتيح تلك التقنيات الزمكانية أن تتعامل تلك الشخصيات بشكل طبيعي تماماً، ليس من خلال برمجة مسبقة كما هو حال النسخ التقليدية من الإنسان الآلي (الروبوت)، وإنما ببرمجيات تجعل تلك الشخصيات/ الكائنات ذاتية التفكير والتفاعل بل والشعور، فتنتابها الأحاسيس وتبدي الانفعالات وتقوم بالتفكير، وذلك كله وفقاً للخصائص المميزة للشخصية الأصلية الحقيقية، كما لو كانت حية ترزق.
وهنا يتجلى المعنى الكامل للميتافيرس، وهو إسقاط قيود الزمان والمكان من الكون. فتتقاطع الأبعاد كلها معاً وتنصهر في حياة وممارسات حقيقية افتراضية معاً في آن واحد وعالم واحد. عالم مختلف تماماً، لا فوارق فيه ولا تمييز بين الواقع والخيال. عالم تتضاءل فيه المسافة بين الحقيقي والافتراضي إلى الصفر أو اللاشيء.