اليوم العالمي للتوحّد وصعوبة الحالة العُمانية

10 ابريل 2023

(إياد صباح)

+ الخط -

مرّ 2 إبريل/ نيسان، وهو الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم العالمي لمرض التوحّد. مرّ بسلام، بيد أنه لا يمر بسلام لأمهات (وأهالي) من ابتلى الله أبناءهم بهذه المصيبة القاصمة. حيث يعيشون في ما يشبه الرعب والقلق اليومي. وإذا كانت بعض الدول قد أولت اهتماما بأصحاب هذه الحالات، على سبيل المثال، دولة قطر، حيث أشعلت الإنارات الزرقاء في هذا اليوم في أكثر من شارع رئيس في الدوحة، كما أضاءت أكثر من مؤسّسة مبانيها باللون الأزرق تذكيرا باليوم العالمي للتوحّد. سبق ذلك بناء المركز النموذجي الضخم والمهم في العاصمة القطرية، "مركز الشفلح"، قد زاره كاتب هذه السطور في أول زيارة له لقطر في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ليكتشف صرحا كبيرا أشبه بجامعة بمرافقها، محاطا بأسوار فيها أكثر من بوابة رئيسة، حتى إني تهتُ قرابة النصف الساعة، حتى تمكّنت من الخروج. وفي الإمارات مراكز حكومية للتوحّد بمواصفات عالية في الشارقة وأم القيوين للتوحد ودبي وأبوظبي والعين. للأسف، نفتقر في عُمان لمثل هذه المراكز الحكومية المتقدّمة. وربما يكون هذا المقال دعوة إلى الالتفات لهذه الفئة التي يعاني أهلها الأمرّين، في ظل التقتير الحكومي وتصعير الخد من القطاعات الخاصة. وسبق لي أن حضرت أحد اجتماعات الجمعية العُمانية للتوحّد، واستمعت إلى معاناة مريرة تعاني منها الجمعية، حيث شحّ الموارد والإهمال والصعوبات البيروقراطية التي تلاقيها من الجهة المختصة في هذا المجال.
"تعلّموا الصبر من أمهات التوحّد" أحد االشعارات التي ترفع عادة في هذا اليوم الذي لم تخصص له الجمعية العامة للأمم المتحدة يوما عالميا إلا تضامنا بليغا مع المعاناة الصامتة لأهالي أطفال التوحّد. صحيح أنهم وحدهم من يحسّون بحجم معاناتهم ومكابدتهم في مواجهة "غول" التوحّد، ولكنهم حين يجدون العون وتوفير وسائل المساعدة الحديثة فذلك يخفّف الكثير من آلامهم، كما أنه يحيي الآمال في العلاج الطبيعي لفلذات أكبادهم. 
ليست مسألة حالات التوحّد مرضا واحدا، إنما مجموعة عذابات اجتمعت في حالة واحدة، فهو ليس مرضا هادئا يمكن مهادنته والصبر عليه واستمراؤه مع الوقت، سيعيش ولي الأمر مع صراع يومي عضلي ووجداني لا يهدأ ولا يستقر. وما يزيد الوضع تعقيدا أن التوحّد، حسب أحدث التشخيصات، ليس مرضا عقليا، بل هو عقلي وسلوكي، إلى جانب أن المصابين به عادة لا يتكلمون، ويكون سلوكهم أقرب ما يكون شبيها بعاصفة في محيط صغير.. عاصفة تحطّم كل شيء قد تصادفه في طريقها. لذلك، معاناة أفراد أسر مرضى التوحّد مركّبة ومتعدّدة، ليس أقلها العزلة وهجران الزيارات والاضطرار إلى حبس المصاب وعزله، حتى لا يتعرّض كل من يشملهم محيطه لأضراره. لذلك هم يعانون في صمت مضاعف، صمت الضحية وصمت العائلة التي تحيط بها. 
التوحّد من أكثر الأمراض مدعاة لأن يُجهز لها مركز كبير أو مستشفى خاص، فقد صار يمسّ فئات واسعة في كل المجتمعات. وما يحزّ النفس أنه، في وقتٍ تولي فيه معظم الدول المقتدرة للمصابين بهذا المرض اهتماما، وتوفّر لهم رعاية خاصة وحاضنات حقيقية، ما يمكّنهم من التكيّف اجتماعيا، تتعرّض هذه الفئة في السلطنة، مع الأسف الشديد، للاستغلال المالي الجشع من مراكز التوحّد المنتشرة في الولايات لغرض تجاري بحت. ولكن أهالي المرضى مضطرّون للاستعانة بهم، وذلك لأن سلوكيات طفل التوحّد غير متوقعة وغير مضمونة، ما قد يدفع المحيطين به إلى ممارسة العنف ضده، وهو صامت لا يستطيع حتى أن يعبّر عن شكواه، فما بالك بإبداء رغباته وآرائه وهواجسه. حين يزور أحدُنا بيتا فيه طفل مصاب بالتوحّد يستنكف عن تكرار الزيارة، إلا من كان لديه كثيرٌ من طاقة التحمّل والتفهم. ما يوجِع قلب الواحد منا، مهما ملك من قدرة التحمّل. فكل هذه المكابدات المركّبة، من المريض وأهله، ربما لا تعني شيئا لبعضهم، لذلك يمرّ اليوم العالمي للتوحّد في عُمان مرور الكرام.

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي