المناخ بعد 5 سنوات

22 يوليو 2023
+ الخط -

لطالما ظهر في القصص القديمة، الأساطير منها والواقعية، مصطلح "إن فعلت هذا فستدخل التاريخ". قد يكون الحدثُ مفصلياً في تاريخ جماعة أو فرد في لحظة معينة، وهو ما يستنهض العواطف الجيّاشة ويستولد الأدرينالين، قبل الانطلاق لدخول التاريخ. كانوا، من يُصطلح على تسميتهم "صنّاع التاريخ"، مقدامين إلى غاية ترك بصمة لهم تذكرها لاحقاً الأجيال المستقبلية. عادة يُجسّد تمثالٌ ما أو لوحة تذكارية أو رسم الحدث التاريخي وفاعله. أيضاً إن مصطلح "مائة عام" دليل على أن الهدف الذي يسعى إليه من يريد تدوين التاريخ خارج سياقات زمنه ومحيطه. الأمثلة كثيرة، لكن رسوما وتماثيل لنابوليون بونابرت أو ماو تسي تونغ أو الأم حارسة الاتحاد السوفييتي نماذج من أمثلة كثيرة ومتشعّبة.

اليوم، لم يعد التاريخ مستقبلاً بعيداً، بل بعد أعوام قليلة، أي في زمننا الحاضر وضمن محيطنا الذي نحيا فيه. يتعلّق الأمر بالمناخ، وبالطقس الحارّ الذي تشهده دول النصف الشمالي من الكرة الأرضية، الذي لم يسبق أن عاشه كبار السن ولا برز في دليل أرشيفي. طقسٌ يؤكّد أن ما يحصل ليس استثنائياً، بل علينا التعايش معه، لأن "الآتي أعظم" وفق تصوّر الخبراء، وجديدهم أخيرا الأمم المتحدة. لم يعد المناخ تحت السيطرة. الشواهد كثيرة من حرائق وعجز الأنظمة الصحية عن إغاثة الناس، كلّ في منطقتها، والنقص الغذائي والمائي. وطبعاً، لا يرتبط الأمر بزيادة عدد السكان على كوكب الأرض، بقدر ما يتعلّق بغياب التوزيع العادل للموارد، رغم أنها فكرة خيالية لن تُترجم يوماً، لكنها واقعٌ أدّى إلى نشوء اضطرابات في مختلف أرجاء العالم.

بعد خمس سنوات، لا أكثر ولا أقلّ، سنكون قد اعتدنا على هذه التغيّرات المناخية، لكن التآلف ضمن ما يتم اتباعه لدى الدول لن يكفي لإنقاذ البشرية، ولا تعبيد الطريق لتطوّرها. لا يُمكن خوض معركة دخلناها متأخّرين، ونحن نعلم أنها كانت تلوح في الأفق. ستكون معركة خاسرة بطبيعة الحال. وأكيد لا يُمكن الطلب من الغالبية البشرية المساهمة في حماية المناخ، فيما من يملك قراراتٍ تؤدّي إلى التلوث وانعدام المساواة والنمط الاستهلاكي المُفرط لا يُطلب منهم الأمر نفسه. الميزان سيبقى دائماً في مصلحة الأقلية الحاكمة في أي نقطة من العالم.

ستتغير قصص كثيرة خلال خمس سنوات. من كان يتطلع إلى فصل الصيف للراحة سيخشاه، ومن يبحث عن الدفء سيحذّر مما يتمنّاه، ومن يصعد إلى الجبال سيهاب طلوع النهار فيها. ليس الأمر وكأنها صورة قاتمة، رغم قساوتها، بل واقعٌ نُدفع إليه من دون القدرة على تغييره. وما يزيد من تثبيت هذا الواقع هو الحديث إن ذوبان القطب الشمالي سيفتح طرقاً جديدة للتجارة. إذاً، المال يحضر مجدّداً، أي الجشع، ضمن مفهوم خاطئ من الاقتصاد الحرّ.

لم يعد موضوع المناخ مؤجّلاً عقوداً طويلة بل أضحى بيننا، في إشارة إلى أن كل شيء سيتغيّر، وما علينا إلا النجاة بأنفسنا. والنجاة هنا، وفقاً لطبيعة الغريزة الإنسانية، تُسقط محرّمات عدة، أبرزها الأنظمة الحاكمة والقوانين، ويُصبح معها القتال اليومي على الطعام والماء أمراً طبيعياً. فجأة نحثّ الخطى بالعودة إلى عهد شعوب الكهوف البدائيين. هذا إن لم يتأثر تبريد المفاعلات النووية، السلمية منها والعسكرية، سلباً، وتُصبح الكهرباء أمنية بعيدة، ومعها صناعة كل ما هو متعلق بالطبابة.

هل هي إرهاصات تغيير كبير يؤدّي إلى انقراض البشر، لا الكوكب؟ لا أحد يعلم، لأن ما نعلمه أن البشر في أيامنا يشهدون على ما لم يشهده أحد في آخر 150 عاماً: تحوّلات متطرّفة تراوح بين ذكاء اصطناعي آتٍ ومناخ لا اعتدال فيه وناس يعلمون أن الغريزة تشرئبّ بعنقها إلى الهيمنة على الوعي، باسم محاربة الانقراض. إنه العام 2023، وفي عام 2028 حكاية أخرى، تحت ظلال شمس الشتاء.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".