المغرب و"تبريرات" التطبيع
دأب المسؤولون المغاربة، منذ الإعلان الأميركي عن التطبيع بين المملكة وإسرائيل، على تقديم تبريراتٍ للخطوة، وإعطاء تفسيرات عديدة لها، والتأكيد أنها لا تعني التخلي عن القضية الفلسطينية. قد يكون الأمر مفهوماً بالنسبة إلى فلسطين، وخصوصاً أن من المؤكّد أن الرباط لن تُقدم على المغالاة في المجاهرة بالعلاقة مع إسرائيل، على غرار ما قامت به الدول المطبّعة حديثاً، وتحديداً الإمارات والبحرين، سواء لناحية فتح الأبواب على مصراعيها للتبادل السياحي والاقتصادي، والذي يشمل منتجات المستوطنات الممنوعة أوروبياً، أو لناحية التطبيع الدبلوماسي لجهة فتح السفارات الرسمية، فحديث وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، لقناة كان الإسرائيلية، اقتصر على "فتح المكاتب والممثليات الدبلوماسية الإسرائيلية التي كانت موجودة في المغرب"، من دون الإشارة إلى فتح مكاتب أو ممثليات مغربية في المقابل في دولة الاحتلال.
مع ذلك، لا بد من الوقوف عند المعطيات التي ساقها المسؤولون المغاربة لتبرير خطوة التطبيع مع إسرائيل، بداية من رفض تسميتها تطبيعا مع إسرائيل، فالسفير المغربي في الدوحة، محمد ستري، وغيره من المسؤولين المغاربة، أصرّوا على وصف الخطوة بأنها "استئناف للعلاقة مع إسرائيل"، في إشارة إلى مكتب الاتصال الإسرائيلي الذي كان مفتوحاً في المغرب بين عامي 1996 و2000 وأغلقته الرباط بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينها، إيهود باراك، نهاية العملية السلمية مع السلطة الفلسطينية، واندلاع الانتفاضة الثانية في الأراضي الفلسطينية. قد يكون ما يقال محقاً، فالخطوة ليست تطبيعاً الآن، بل هي استئناف لعملية التطبيع السابقة التي كانت قائمةً بين المغرب وإسرائيل. وإذا كانت الخطوة، بهذا المعنى الذي تسعى الرباط إلى تكريسه، معزولةً عن سياق الهرولة نحو إسرائيل الذي تنتهجه بعض الدول العربية، إلا أنها بكل تأكيد غير معزولة عن مسار التطبيع العربي العام والانفتاح على إسرائيل الذي يريده الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وما قد يكون له من انعكاساتٍ على القضية الفلسطينية، والتي لا يزال المغرب يعتبرها أولوية بالنسبة إليه. وبالتالي، فإن خطوة كهذه، بغض النظر عن النوايا المغربية، تخدم الأهداف الأميركية الإسرائيلية العامة التي تسعى إلى عزل العلاقة العربية الإسرائيلية عن فكرة السلام الشامل، والتي كانت جوهر المبادرة العربية للسلام التي أقرتها الدول العربية كافة، والمغرب من بينها.
التبرير الآخر الذي يسوقه المسؤولون المغاربة مرتبط بما سمّوه "الجالية اليهودية المغربية" الموجودة في إسرائيل، واهتمام الرباط بها، خصوصاً بوجود "أماكن عبادة وأماكن ثقافية" لليهود في المغرب. مثل هذا التبرير لا يمكن الأخذ به لأكثر من اعتبار، بدايةً من تسمية "جالية"، والتي لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يتم إسقاطها على اليهود المغاربة في إسرائيل، وخصوصاً أن الغالبية العظمى منهم اختاروا دولة الاحتلال، والانتماء للصهيونية، بمحض إرادتهم، في ذروة حالة الحرب والعداء بين الدول العربية وإسرائيل، في وقت بقي آلاف اليهود إلى اليوم في المغرب. وبالتالي فإن مثل هذا الخيار كان يعني التخلّي التام عما يحملونه من عروبة وانتماء إلى المغرب، وهو ما انعكس على ولاءاتهم الحزبية في الداخل الإسرائيلي، إذ إن معظمهم يصوت لأحزاب اليمين والأحزاب الدينية. إضافة إلى ذلك، فإن رحلات بعض اليهود المغاربة إلى المغرب لم تتوقف حتى بعد إغلاق مكتب الارتباط الإسرائيلي، وبالتالي فإن ربط العلاقات بهذه الزيارات ليس في مكانه.
التبرير الوحيد الذي كان من الممكن أن يؤخذ بعين الاعتبار، من الناحية السياسية على الأقل، في ما يخصّ الخطوة المغربية كان الربط بين التطبيع والقرار الأميركي بالاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، وهو قرارٌ طال انتظاره بالنسبة إلى الرباط، ويمكن وضعه في إطار المكاسب السياسية التي حققها المغرب من جرّاء التطبيع، وأنه على الأقل لم يأت بشكل مجاني. مع ذلك، حرص بعض المسؤولين المغاربة على نفي العلاقة بين الأمرين، والتأكيد أن القرار الأميركي ليس "مقايضة" للتطبيع مع إسرائيل. وهو الأمر الذي لا يمكن قبوله منطقياً، خصوصاً لجهة توقيت الاعتراف الأميركي.