المغرب في تقريرٍ إسباني

المغرب في تقريرٍ إسباني

13 مايو 2021
+ الخط -

لم تكن أزمة جزيرة ليلى (2002)، مجرّد أزمة دبلوماسية عابرة بين المغرب وإسبانيا، بقدر ما كانت تحولا نوعيا في رؤية مراكز البحث والتفكير الإسبانية للمغرب ودوره في مضيق جبل طارق. وعلى مدار العقدين الماضيين، لم تتوقف هذه المراكز عن تعقب العناصر التي تشكل ملامح '' قوة مغربية صاعدة''، بما لذلك من تبعاتٍ على المصالح الإسبانية التي يُمثل الاحتفاظُ بمدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية عنوانها الأساسي.

في هذا الصدد، أصدر معهد الأمن والثقافة في مدريد تقريرا بعنوان ''المغرب ومضيق جبل طارق والتهديد العسكري لإسبانيا''، خلص فيه إلى أن الاعترافَ الأميركي بمغربية الصحراء، والتطورَ العسكري الذي يشهده المغرب، لا يمثلان فقط تحدّيا لوحدة الدولة الإسبانية، بل حتى لمصالح الاتحاد الأوروبي.

يرى التقرير أن الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء، وإن لم يرق إلى مستوى التحول النوعي في مسار النزاع، إلا أنه يهدّد النفوذ الأوروبي التاريخي في المغرب العربي، ولا سيما بالنسبة لإسبانيا وفرنسا وإيطاليا، ويفتح المجال، في المقابل، أمام الولايات المتحدة لتعزيز تحالفها مع المغرب، باعتباره شريكا استراتيجيا لها في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو ما يدعم، ضمنا، الموقفَ المغربي. وبما أن الاقتصاد أصبح جزءا من معادلة هذا النزاع، فإن هذا الاعتراف، حسب التقرير دائما، سيمكِّن المغرب من مكاسب اقتصادية جمّة، أبرزها مشروع إنشاء خط أنابيب الغاز الذي يربط نيجيريا بالمغرب وأوروبا عبر الصحراء، وسيغذّي، تاليا، رغبته في التحوّل إلى إحدى القوى الاقتصادية الأفريقية الصاعدة بحكم ما تزخر به الصحراء من إمكانات اقتصادية واعدة. ويزداد التوجس الإسباني من ''الأطماع الاقتصادية المغربية'' أمام إصرار الرباط على ترسيم حدودها البحرية، بما يحيل إليه ذلك من بسط سيادتها على الجزر البركانية الواقعة جنوب جزر الكناري وقبالة سواحل الصحراء والغنية بالموارد الطبيعية. وتعتبر إسبانيا هذه المنطقة امتدادا جيولوجيا لجزر الكناري، وجزءا من الجرف القاري الإسباني. وترفض، بالتالي، ترسيم المغرب حدوده البحرية، بذريعة أنه لا يمتلك السيادة القانونية والشرعية على الصحراء، ما دام النزاع معروضا على أنظار الأمم المتحدة. هذا في وقتٍ يشير فيه خبراء القانون الدولي للبحار إلى أن الجزء الأكبر من هذه المنطقة البحرية سيكون من نصيب المغرب، ما يعني أن من مصلحة إسبانيا استمرار النزاع، لأن ذلك سيشغل المغرب وينهكه على أكثر من واجهة.

ولم يفت محرّري التقرير الإشارة إلى ما يكتسيه فتح 15 بلدا تمثيلياتٍ قنصليةً، في الداخلة والعيون (في إقليم الصحراء)، من دلالةٍ في ضوء تنامي دور الرباط في المغرب العربي وجنوب الصحراء والساحل، الأمر الذي يهدّد، على المدى البعيد، نفوذ دول أوروبية وازنة، بحجم إسبانيا وفرنسا وإيطاليا التي تشكل هذه المنطقة، بالنسبة لها، عمقا استراتيجيا بالنظر لتأثيرها على معادلة الأمن والاستقرار في حوض المتوسط.

من ناحية أخرى، يُعدُّ الصعود العسكري للمغرب مصدر تهديدٍ آخر للدولة الإسبانية، ينبغي أخذه بالاعتبار، لما له من تداعياتٍ محتملة على الإقليم، في ظل ما تشهده ترسانته العسكرية من تحديثٍ متنام. ويرى التقرير أن الدعم الأميركي والسعودي ساعده على تجويد قدراته العسكرية على أكثر من صعيد، ما يعني، وفق التقرير، تغذية التوتر المغربي الجزائري واحتمال تحوله إلى مواجهة عسكرية في ظل الانسداد الذي يعرفه نزاع الصحراء، بما لذلك من تبعاتٍ أمنيةٍ واستراتيجيةٍ يصعب التكهن بطبيعتها، وهو ما ينبغي أن يقع ضمن أولويات الأمن القومي الإسباني.

يخلص التقرير إلى استنتاجاتٍ تختزل، في معظمها، مخاوف الإسبان من جارٍ يجتهد في توسيع هوامش حركته في منطقة تعجّ بالتقاطبات. ولعل أبرز ما أورده في هذا الصدد تأكيده على ضرورة عدم إغفال ''أن العقلية الاستراتيجية للمغرب تبقى محكومةً، في جانب منها، بأحلام توسّعية إقليمية تجد جذورها في المفهوم القديم: المغرب الكبير''.