المشاركة في الانتخابات الرئاسية المصرية بالامتناع
بدأ أمس الأحد التصويت داخل مصر في الانتخابات الرئاسية، بعد أن أدلى المصريون المقيمون في الخارج بأصواتهم الأسبوع الماضي. ورغم أنه استحقاق مهم في المشهد المصري حاضراً ومستقبلاً، لو سئل أي مصري عن موعد تلك الانتخابات أو عدد المتنافسين فيها، لبالكاد تذكّر أن هناك انتخابات ستجري أصلاً. ولن يعرف بالطبع أياً من المتنافسين على الرئاسة، إلا من سيفوز بها، وهو بالطبع الجاثم على السلطة بالفعل.
قبل بدء عملية التصويت بأيام، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات القائمة النهائية للمرشّحين في هذا الاستحقاق، بعد أن انتهت فترة التقدّم للترشيح، ثم فترة الطعون، ومن بعدها التظلّمات. ولا أظن أن أحداً من المصريين تابع تلك المراحل أو يعرف شيئاً عنها، بمن فيهم المراقبون والمهمومون بالشأن العام. فالإدراك العام لدى المصريين، أن تلك المظاهر شكلية، وهدفها استيفاء الشروط والمتطلبات الإجرائية المقرّرة، لا أكثر. أما نتيجة الانتخابات، فمُقرّرة مسبقاً ومعروفة.
أما المواطن العادي الذي يئن أصلاً من حياة بائسة وفقر مدقع واختناق عام، فليس معنيّاً بالاستحقاقات السياسية، حتى وإن كانت نافذة حقيقية للمشاركة. إذ لا تنعكس تلك الاستحقاقات السياسية والدستورية على حياته اليومية، ولا تُسفر عن أي تحسّن أو تغيير في الوضع الاقتصادي، أو حتى في مستوى الخدمات أو أداء الدولة مهامّها الأساسية تجاه المواطنين. وبالتالي، الامتناع الشعبي عن التصويت، بحد ذاته، مشاركة مباشرة وتصويت بليغ ضد العملية الانتخابية والمرشّحين والوضع القائم ككل.
ومن المضحكات المبكيات، أن تلك الانتخابات، الصموتة في جوهرها، تحظى بترويج إعلامي ملموس في اتجاهين محدّدين. الأول، الدعوة بكثافة وإلحاح إلى المشاركة، وتأكيد أهمية المشاركة بحد ذاتها، أياً كان المرشّح الذي سيختاره الناخب. والهدف إضفاء مشروعية على الاستحقاق الانتخابي. كأن النظام مقبول، والوضع العام محلّ رضى شعبي، وآلية العمل السياسي تلقى تفاعلاً واستجابة من المواطنين، وكأن أيضاً أن ذلك كله هو المهم، بل الأهم، بغضّ النظر عن الحاكم الحالي أو القادم (!)، فغياب المصوّتين يكشف حقيقة الوضع المتردّي للدولة وينزع أي مشروعية، ولو شكلية، عن النظام القائم.
الاتجاه الثاني، إبراز وجود مرشّحين آخرين، بل واستضافتهم بواسطة كبار إعلاميي النظام، لشرح برامجهم الانتخابية وأفكارهم وآرائهم في كل الملفّات السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية. والمضحك أن هذا لم يحدُث مع من يحتلّ كرسي السلطة حالياً، ربما السبب وراء ذلك "الاضطهاد"، انحياز إعلام الدولة وأجهزتها إلى المرشّحين الثلاثة الآخرين. وربما الأمر ليس اضطهاداً له، بل غرورُه وترفّعه عن الدخول في مقارنة، أو أي شكل من التناظر مع غيره من المرشّحين. وفي كل الأحوال هو أي سبب، إلا أن يكون هو بلا برنامج ولا أفكار ولا خطط ولا رؤية.
واقع الشارع المصري حالياً يشبه تماماً ما كان في الأعوام الأخيرة من عهد حسني مبارك، حيث يتعامل المواطنون مع أي استحقاق سياسي أو دستوري بلا مبالاة كاملة وبتجاهل وصمتٍ مطبق. وهو وضع في ظاهره مُريح للسلطة، ويأتي على هواها، لكنه، في الواقع، مؤشّر قوي على استقلالية الشعب نفسياً عن السلطة، ودليلٌ على عزلها شعبياً وحبسها في بالون وهمي تظلّ تنفخ فيه بنفسها حتى ينفجر بها في النهاية.
الصمت البليغ والإحجام التلقائي من مختلف الطوائف والشرائح الشعبية عن التفاعل مع حملات التحفيز والترغيب في المشاركة، كانا من ملامح انتخابات 2010 البرلمانية، التي شكلت بالفعل أبرز بوادر قرب انتهاء نظام مبارك، وهو ما حدث بعد أسابيع، فقد كانت تلك الانتخابات نذير شؤم لم ينتبه مبارك إليه، ولم يلتقط دلالاتها. ولا أظن أن غيره أشدّ منه ذكاءً أو أكثر منه حكمة وبصيرة.