المرأة الكويتية في الجيش
أمّا وقد صار في وسع المرأة الكويتية الالتحاق بجيش بلادها، في الخدمات الطبية والخدمات العسكرية المساندة أولا، وتاليا في مختلف مواقعه، بحسب ما جرى إعلانه أخيرا، فإن تمكين المرأة في عموم دول الخليج العربية الست من دخول القطاع العسكري، بتنوّع المهمات فيه، يصبح مكتملا، سيما أنه تم البدء في السعودية، في إبريل/ نيسان الماضي، بتنفيذ القرار المتّخذ في 2019، إجازة التحاق المرأة السعودية في أيّ من أفرع القوات المسلحة، وقد كان متاحا لها التوظيف في الشرطة والحرس الوطني، وبعد أن صدر قرار أميري في قطر، في 2018، دخل التنفيذ مع إعلانه، يتيح للنساء المواطنات الالتحاق بالخدمة العسكرية اختياريا، وهن اللواتي كان مجازا لهن العمل في وظائف إدارية في الجيش. وكانت الإمارات قد أتاحت لمواطناتها الالتحاق بالخدمة الوطنية العسكرية في عام 2014، فيما تأخذ بهذا البحرين وعُمان منذ سنوات أبعد.
والناظر في قرار الكويت، المعلن في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، يراه متأخّرا بعض الشيء في المنظومة الخليجية، مع أن البلاد شهدت مبكّرا عبور المرأة الكويتية مختلف الوظائف الحكومية، ومنها في الشرطة والطيران والقضاء، ناهيك عن السلك الدبلوماسي، وفي مناصب وزارية، سيما بعد إجازة ترشّحها واقتراعها في انتخاب مجلس الأمة (البرلمان) في عام 2005. كما أن المتابع لهذا كله يجده أمرا مستهجَنا أن يمتعض بعضُهم في المجتمع من القرار، ويستقبلونه ببعض الهزء، غير أن من الأهمية لمن يلحظ هذا أن يقف في المقابل على قول ناشطاتٍ ومثقفاتٍ كويتياتٍ إن إجازة أن ترتدي المرأة في بلادهن البزّة العسكرية يعطي دفعةً متجدّدةً لمطالباتٍ بمراجعاتٍ، قوية وجذرية بحسب وصف الحقوقية والأستاذة الجامعية، ابتهال الخطيب، لعدّة قوانين، في مقدمتها قوانين الأحوال الشخصية والتجنيس، وذلك في سياق استكمال المرأة الكويتية حقوقها المدنية والمواطنية في السكنى والرعايات الأسرية المختلفة. ولا يملك واحدُنا غير الانتصار لمطالب مثل هذه، من شأنها التقدّم في مسار التحديث الاجتماعي والارتقاء العام بدولة الكويت، السبّاقة في هذا المسار بين نظيراتها الخليجيات، والتي كانت، في أطوار ماضيةٍ، واحدةً من البلاد العربية التي تعرف حيويةً مشهودةً في النقاش السياسي والاجتماعي لها تميزها الخاص في الفضاء العربي العام. ولنا أن نُصاب بشيءٍ من الأسف لتراجعٍ ظاهرٍ في هذا كله، مع الاتساع البادي في المساحات التي تحوزها قوى الشدّ العكسي في المجتمع، وغالبا بدعاوى تُكيّف الدين والمعتقدات والتقاليد مع أهواء أصحابها وميولهم.
ومن مساوئ المصادفات التي تزامنت مع إعلان الحكومة تمكين الكويتيات من الالتحاق بالجيش، ومع ما أحدثه هذا القرار من قوة دفعٍ للمرأة الكويتية، أن محكمة الجنايات أمرت بحبس ثلاثة أشقاء لسيدةٍ مطلقةٍ، ومعهم طليقها، احتجزوها في حجرةٍ تشبه الزنزانة، داخل سردابٍ في منزلٍ للأسرة، تسع سنوات (!). وعلى ما أفادت الصحافة، فإن الزوج السابق يكبُرها بـ 15 سنة، وأن المرأة رفضت استمرار العيش معه، وقد أنجبت منه طفلا، فعاقبتها الأسرة بهذه الشناعة. ومع التسليم بأن هذه الواقعة تبقى فردية وشاذّة، إلا أنها تؤشّر إلى ما هو مؤكّد عن توطّن فكرة استضعاف المرأة في المجتمع، واستسهال التجرؤ عليها. وتعرف محاكم الكويت (وغيرها في غير بلد عربي) قضايا تؤكّد أن المرأة في هذا البلد ما زالت تكابد من نزوعات الاستقواء عليها، وتعرّضها لألوانٍ من العنف المنزلي. وثمّة من يتقنّع في ممارسات تفتئت على حقوقها وكرامتها بأقوال تُنسب إلى الإسلام ومرجعياتٍ ومشايخ. ولعل ما توبع في تغريداتٍ وتدويناتٍ لأشخاص كويتيين، بينهم نوّابٌ ونوابٌ سابقون، بشأن القرار الجديد الذي أعلنته وزارة الدفاع، يثير الغضب والاستنكار، لما رموه به من سخريةٍ غير لائقة، فيما الأدْعى كان أن يسندوا التوجه الحكومي بكثيرٍ مما في الموروث الإسلامي يشهد بمشاركة المرأة في الدفاع عن الأمة في غير موقعة..
وعلى أي حال، الجاري في الكويت بشأن مسار حضور المرأة وفاعليتها (وتمكينها بحسب المفردة الذائعة) يبدو طبيعيا وغير مصطنع، وأظنّه أكثر صدقيةً، في جوهره، وفي الذي يحدُث في حوافّّه، من تكلّفٍ بائسٍ نلقاه في غير بلد أسبق من الكويت وغيرها في مجرى التحديث الاجتماعي .. في تونس الراهنة في زمن قيس سعيّد، مثلا.