المال العربي والدم الفلسطيني

22 ديسمبر 2023
+ الخط -

ماذا يفعل المال العربي من أجل إيقاف حمّام الدّم الفلسطيني؟ المال الذي يذهب في صيغةٍ يُطلِق عليها بعضهم استثماراتٍ "حلال"، لإغراء أصحاب المال العرب، ويخرُج بعضُه في إطار تطييبِ خاطر هذه الدولة أو تلك، بضخّ السيولة في خزينتها، وبعضه الآخر يتسلّل إلى يوم قد يُسأل فيه صاحبه: من أين له به؟ هكذا تراكمت الاستثمارات العربية في الخارج، لتراوح حسب بعض التقديرات ما بين 800 و2400 مليار دولار. 
أين يذهب هذا المال؟ لن يخطر الجواب على بالِ بشر: شراءُ الدَّين الأميركي. إذ بلغت استثمارات 11 دولة عربية في سندات الخزينة الأميركية عام 2022 ما يفوق 250 مليار دولار. والغريب في هذه اللائحة وجود مستثمرين من دول غير نفطية، تعتبر من الأفقر عربياً، مثل موريتانيا. رغم الخطر التي يُحدق بهذه الاستثمارات، فأميركا وأوروبا لا تتردّدان في تجميد ممتلكات أشخاص ودول، تراها خصما لها في سياق أو آخر، حالما تخرُج العلاقة معهم عن دائرة الرضى.
في باقي المجالات، توصَف الاستثمارات الخليجية أحياناً بأنها الفارس الذي ينقذ شركاتٍ عديدة في أوروبا وأميركا. ليمتلك بعضها أسهما في شركات عالمية، أبرزها أمازون وغوغل ومايكروسوفت وديزني وPayPal، وشركات اتصالات إسبانية وبريطانية. فيما تشمل أشهر الاستثمارات العربية مجال كرة القدم، فمن باريس سان جيرمان الفرنسي إلى الفرق الإنكليزية، نيوكاسل ونونتغهام وفورست مانشستر سيتي، إلى نيويورك سيتي الأميركي ولوميل البلجيكي، وفرق أخرى، ورياضات مختلفة. 
بعد هذا، لن نتساءل: لماذا لا تستثمر هذه الأموال في الدول العربية؟ فذلك سؤالٌ فقد طعمه. ولكن، لماذا لا يتم الاستثمار في ما هو أخفّ ثقلا وأكثر أثراً، مثل الإعلام وصناعة الترفيه؟ ألن يكون ذلك مفيداً للمنطقة، فتجد لها صوتاً منصفاً على الأقل، ولو لم يكن منحازاً؟ فيما تزداد نسبة ملكية الشبكات الإعلامية للصهاينة في الغرب، بشكلٍ صرنا نراه جليّاً من خلال تحوير حقيقة حرب غزّة. وأكبر نموذج هو الملياردير المعادي للمسلمين علانية روبرت مردوخ، عملاق شبكة فوكس وصحيفة وول ستريت والمالك حصة من "ناشيونال جيوغرافيك". فكيف سيكون شكل الحرب وكيف تنتهي لو استثمر العرب في الإعلام الغربي؟
في درجة ثانية، لننظر إلى الذباب الإلكتروني الذي تتعارك عبره دول عربية في ما بينها، ألا يمكن أن يُستعمل في محاربة الأطروحة الصهيونية التي تُدفع أموالٌ هائلة لنشرها، ولتكمن للمنشورات الفلسطينية في "السوشيال ميديا"؟ فالإعلام لا يقف عند القنوات والصحف، بل صار معظمه يعتمد على "السوشيال ميديا"، ونحن نعرف أن للعرب فيها باعاً لا بأس به. من خلال تأجير الذباب الإلكتروني الذي يأتي على الأخضر واليابس في الخلافات العربية/ العربية، نموذج المغرب والجزائر. لأنّ الجانب الآخر خصّص ميزانية كبيرة لإنشاء محتوى يروج المزاعم الإسرائيلية، ويحارب المحتوى المناصر لفلسطين، في حشدٍ لا يقلّ عن الحشد العسكري، فقتلُ الحقيقة وإخفاء جرائم إسرائيل لا يقلّ خطورة عن قتل الأبرياء، لأنه يسمح لها بقتل مزيد مع إغماض العالم عينيه، أو حجبهما بغلالةٍ من الأكاذيب. 
ولا يشكّل النفوذ الصّهيوني على الإعلام الهاجس الوحيد، بل التقاء مصالحه مع مصالح اليمين المتطرّف، في كونهما يعانيان معاً من أعراض حادة للإسلاموفوبيا. ويحاربان في جبهة واحدة كل ما يتعلق بالعرب أو المسلمين، فمؤسّسة (فيفندي  Vivendi)، عملاق الإعلام في فرنسا، نجحت في الاستحواذ على مجموعة لاغاردير الإعلامية ومنابرها، وأهمها مجلة باري ماتش، ودار هاشيت العريقة للنشر، وشركة الدعاية والاتصال الخامسة في العالم "هافاس". ويتبنّى مالكها ورئيسها الملياردير اليميني يانيك بولوري خطاباً متطرّفاً، مسانداً صديقه إريك زيمور. لنعرف أن أمثاله خلف السّعار الذي انتاب غالبية الإعلام الفرنسي في هذه الحرب، أو غيرها، فالعدو دائما يحمل رائحة "les arabes".
لن نتحدّث عن استعمال النفط من أجل الضّغط على أميركا وحلفائها، لكفّ يد الإجرام الصهيوني، فتلك خطوة تُوجّهها جملة: الرقم الذي تطلبونه خارج الخدمة الآن. ولكن ماذا يضرّ صاحبُ مال عربي أن يكون له حسّ بالانتماء مثل الذي لدى الصهاينة؟ أو أن الانتماء عندنا لا يشعر به إلّا الفقراء العاجزون عن تحريك قشّة في هذا البحر الهائج؟

596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
عائشة بلحاج

كاتبة وصحافية وشاعرة مغربية

عائشة بلحاج