اللاجئون السوريون .. أفكار للمناقشة
ليست هذه الأفكار موجهة إلى شخص معين، أو جهة محدّدة. يستطيع الذين يهمهم أمر اللاجئين السوريين، من أشخاص، ودول، ومنظماتٍ إنسانية، أن يستفيدوا منها، كلها أو بعضها، أو أن يهملوها. إنها أفكارٌ ذات طبيعة طوباوية، حالمة، ولكنها مشروعة، تأتي مشروعيتها من كونها صادرة عن كاتب/ مواطن سوري، مهتم بالشأن العام. وليس سهلاً، من جهة أخرى، الطعنُ بنزاهتها، لأن لصاحبها مساهمات في الثورة والمعارضة.
تكمن الفكرة في السؤال: هل يمكن تجريد قضية اللاجئين من الاعتبارات السياسية، وتخليصها من تعقيدات الواقع، واعتبارها قضيةً إنسانية بحتة؟ الأطراف المتنازعة رفضت، حتى الآن، التخلّي عن تسييسها، فعدا عن تحميل كل طرفٍ مسؤوليةَ التهجير للأطراف الأخرى، تضاءلت القضية، حتى أصبح أصغر إجراء فيها (إدخال المساعدات إلى مخيمات اللاجئين، مثلاً) يحتاج تفاهمات بين الدول الكبرى تجري تحت تهديد رفع الفيتو في مجلس الأمن وإعادة القضية برمتها إلى المربع الأول.
يتلخّص المقترح الطوباوي الذي يراودني في أن تُخصّص منطقة، أو أكثر، على الأرض السورية، يُعاد إليها اللاجئون، بإشراف الأمم المتحدة، وتُبنى فيها مدينة نموذجية، أو أكثر، على غرار مدينة الثورة التي بنيت بجوار قرية الطبقة أيام بناء سد الفرات، والأفضل أن تُبنى هذه المدينة على أرضٍ متاخمة لمناطق النظام، وللمناطق الخارجة عن سيطرته في آن. تحدّد مدة إقامة اللاجئين العائدين في هذه المدينة بخمس سنوات أو عشر، يحقّ لهم، بعدها الانتقال إلى أي مكانٍ في الأرض السورية، وهناك شرطان أساسيان للعودة: عدم مساءلة العائدين أمنياً من أحد. أن يمنح أبناؤهم الذكور الذين بلغوا سن الخدمة العسكرية الحقّ في دفع بدل نقدي، يذهب ريعُه إلى ميزانية المدينة المحدثة، ويجب الاعتراف بهذا الإبدال، فلا يُطلب المُبْدَل لأداء خدمة العلم لاحقاً.. ولا يجوز لأي مهاجرٍ عائد، أو أي مقيمٍ في المدينة، أن يمتلك الحق بحمل السلاح، أو تشكيل الأحزاب السياسية، إذ إننا، هنا، نكون أمام تجربة تقنية مؤقتة، والناس يحتاجون الأمان حاجتهم الخبز والماء.
إنشاء البنى التحتية للمدينة (ماء وكهرباء وإنترنت ومجارير صرف صحي) يحتاج أموالا، تأتي من مصادر متعدّدة، كالأمم المتحدة، وبعض الدول التي يمكن أن تتبرّع للمشروع، ورجال الأعمال السوريين، أو غير السوريين، تبرّعاً صرفاً، أي من دون أن يكون للمال المدفوع أي مقابل. وإذا كان اللاجئون العائدون يعيشون في دول الجوار (الأردن، لبنان، تركيا، مصر)، يعفون من دفع أي شيء، باستثناء البدل النقدي للشبان، أما إذا كانوا عائدين من أوروبا أو دول الخليج، فلا بأس أن يُفرض على كل فردٍ منهم مبلغٌ، يعود إلى صندوق المدينة.
هناك موضوع آخر يتعلق بالحقوق المدنية، فهذا الموضوع أصبح يمثّل لبّ الكارثة التي حلت بالمواطن السوري، فقد خسر قسم كبير من السوريين ممتلكاتهم، من دور سكن، ومحلات تجارية، وأراضٍ، بالقصف، أو بالمصادرة، أو ببقاء هذه العقارات في منطقةٍ لا يجرؤ مالكُها على دخولها بعد هجرته (أو تهجيره) منها.. وهذه عملية بالغة التعقيد، ولكن إيجاد حلولٍ لها سيكون مقدمةً لأي حل سياسيٍّ يمكن أن تقدمه الشرعية الدولية للقضية السورية في قابل السنين، فإن لم يكن هناك إمكانية، في الوقت الحاضر، لدفع تعويضاتٍ لأصحاب البيوت المهدّمة، فلا بد من إصدار صكوكٍ تتضمّن اعترافاً بأن هذه الملكية تعود لهذا المواطن، ويجري تحصيلها في الوقت المناسب. وأما الذين ما تزال ممتلكاتهم قائمة، أي غير مهدّمة، فالعدل يقتضي أن يسمح لهم ببيعها أو تأجيرها (عن بُعد)، أي بالوكالة. وباختصار شديد، لا يجوز للنظام، ولا للسلطات التي تحكم المناطق الأخرى، اعتبار مال أي مواطن سوري (مهما تكن قوميته أو دينه أو مذهبه) غنيمة.