15 نوفمبر 2024
الكويت وإيران.. أرشيف مقلق
أن يكون 25 مواطناً كويتياً متهمين بالتدبير الأسود في بلدهم، بحسب ما كشفت التحقيقات، وأعلنت عنه النيابة العامة، فذلك من مؤشراتٍ مقلقةٍ جداً في المجتمع الكويتي، فهؤلاء متهمون بالتخابر مع إيران، وبالانضمام إلى حزب الله اللبناني، للإعداد لتنفيذ هجماتٍ في وطنهم. ولمّا كانت الأسلحة المضبوطة في منازل ومزارع بعضهم تبلغ 19 طناً، بينها 144 كلغ متفجرات، فذلك يعني أننا كنّا سنصير، لو نجح هؤلاء في ارتكاب جرائمهم، أمام كارثة مهولة في الكويت. البلد الذي شهد منذ 1968 عمليات إرهابية وجرائم ومحاولات اغتيال وتفجيرات عديدة، كان منها محاولة اغتيال الأمير السابق، جابر الأحمد الصباح، في مايو/ أيار 1985، واتّهم فيها قيادي راهن في "الحشد الشعبي" في العراق، وتورّط في تدبيرها القيادي الميداني الراحل في حزب الله، عماد مغنيّة، وكانت برعاية حزب الدعوة العراقي، المصنوع في إيران، والذي تحوز زعامات فيه حصةً وازنةً في حكم العراق حالياً. وفي أرشيف الكويت من تلك الجرائم، استهداف الصحفي أحمد الجار الله، بمحاولة اغتيال في 1985، وكذا وزير الخارجية الإيراني الأسبق، صادق قطب زادة، في 1980، كما أن تفجيراً تعرضت له السفارة الإيرانية في 1980.
يلحظ المتفحص في هذا الأرشيف أن العامل الإيراني ظلّ ماثلاً في أغلبية جرائم الإرهاب السياسية، إنْ ممّن يوالون طهران أو ممن يخاصمونها. وكان يمكن أن يُفهم استقطابٌ سياسيٌّ تجاه إيران، لو يأخذ طابع الجدل والسجال، ولا يتجاوزهما إلى العنف والإرهاب المدانيْن. ومن المفارقات أن شيئاً من هذا السلوك تبدّى في 1969، بوضع متفجرات أمام منزل وزير الداخلية في حينه (سعد العبدالله الصباح) احتجاجاً على زيارة شاه إيران، محمد رضا بهلوي، واتهم بالمسؤولية عن ذلك الفعل شبّان كويتيون قوميون ويساريون. وأنْ تكشف السلطات، في يوليو/ تموز الماضي، شبكة تتبع تنظيم داعش، بعد كشفها أكثر من شبكة تجسس لإيران في الأعوام الماضية، فذلك يعني، ضمن كثيرٍ يعنيه، أن الكويت في بؤرة التأزّم الطائفي وصراعات النفوذ الإقليمي في المنطقة، ومعلوم أن الأجهزة المختصة أعلنت عن اعتراف المقبوض عليهم في شبكة تجسّس لإيران، في العام 2012، بتلقيهم تدريباتٍ على يد الحرس الثوري الإيراني. والمثير أن ذلك كله يجري، فيما العلاقات بين الكويت وطهران متقدّمة على المستوى السياسي، والاتصالات بين قيادتي البلدين متواصلة في غير شأن، غير أن الأخبار الجيدة، في هذا الخصوص، تتخللها، بإيقاع متواتر، أخبارٌ من ذلك الطراز المتعلق بالتجسس والتخريب، بل إن الاتهامات الكويتية كانت صريحةً بشأن ضلوع موظف بارز في سفارة إيران في العام 2011 في شبكة تجسّس، كانت تسعى إلى "اختراق أمن الكويت"، بحسب بيان رسمي.
يعدّ التطور الحادث، أخيراً، في مسار التجسس والتخريب الإيرانيّين، في الكويت، والمتوازي مع العلاقات السياسية الحسنة، تصعيداً بالغ الخطورة، ذلك أن الحديث يتم عن أطنانٍ مهولة من السلاح، وعن اتفاق المتهمين مع حزب الله لتنفيذ هجمات. وكان مأمولاً من الحكومة الإيرانية أن تتلقى هذه الأنباء بالقلق المطلوب، وأن تحاول احتواء تأثيراتها، بالإعلان، مثلاً، عن تعاون مع السلطات الكويتية بشأن التحقيق في هذا الملف، بدل الإنكار المتعجّل، والفوقيّ الذي لم يرَ في إشهار الكويت ما عاينتْه من أسلحةٍ مضبوطة مروّعة، غير التلميح المكشوف إلى "من يسعى لتخريب العلاقة الكويتية الإيرانية"، وبالتأشير إلى "مشكلات" في الكويت نفسها، لا علاقة لطهران بها. وذلك في لعب إعلامي مفضوح، يرى شقاقاً شيعياً سنياً في البلاد، فيما الكويتيون، حكومةً ومجتمعاً، لا يذهبون في معالجة مثل هذه المشكلات الأمنية بعيون طائفية ومذهبية، بل بحسبان المدانين والمتهمين والمتورّطين والمغرّر بهم، من ذوي الهوى الإيراني المقيت، ومن ذوي النزوع الداعشي المستنكر، مواطنين كويتيين، ولا صفة لهم غير هذه. والإيقاع الهادئ النبرة من الجانب الكويتي إذ يتوازى مع إيقاع متوتر من الجانب الإيراني، يدل على ثقة بيّنة في النفس، غير أن ثمّة وجاهة مؤكدة لكل القلق فينا، على الكويت، حماها الله.