الكويتي كائن سياسي

01 يونيو 2023

كويتية تدلي بصوتها في الانتخابات البرلمانية في العاصمة الكويت (29/9/2022/فرانس برس)

+ الخط -

يستغرب عربٌ كثيرون من متابعي الحسابات الشخصية الكويتية على وسائل التواصل الاجتماعي النشاط السياسي المحموم للكويتيين، لأنهم لا يعرفون أن الكويتي كائنٌ سياسيٌّ بطبيعته، فهو مشغولٌ دائما بكل حدث سياسي محلي أو عربي أو حتى عالمي، ولا بد أن يشارك، ولو بمجرّد إبداء الرأي الصريح بكل شاردةٍ وواردةٍ سياسية، وإنْ لم تتعلق به أو بالكويت عموما.

ربما يعود ذلك إلى هامش الحرية الذي يتمتّع به الكويتيون مقارنة بشعوب عربية كثيرة على صعيد التعبير السياسي، وتعوّدهم على الممارسة السياسية، بغضّ النظر عن نتائجها. بل لم يكن التضييق على الحرّيات أحيانا، وفي بعض الحقب، ليجعلهم يكفّون عن هذه الممارسة المتوارثة منذ القدم، فالكويتي يجد متعةً حقيقيةً في تناول الشأن العام. وتشهد ظاهرة "الديوانيات" واحدةً من صور التداول السياسي المفتوح والعام دائما، ثم جاءت وسائل التواصل الاجتماعي بكل أشكالها لتُساهم في تعزيز تلك المتعة الجماعية وتسهيلها بشكل غير مسبوق.

تعيش الكويت، في هذه الأيام، على سبيل المثال، فترة انتخابات برلمانية مبكّرة بعد حل وإبطال وحل ثان لمجلس الأمة، الذي يُنظر إليه ميدان العمل السياسي الأول في الكويت، وهذا ما جعل حسابات الكويتيين جميعا تقريبا مسخّرة لتناول هذا الحدث المصيري. لقد تحوّل "تويتر" إلى ميدان عام يعرض فيه المرشّحون رؤاهم وبرامجهم الانتخابية، ويتواصلون من خلال حساباتهم الشخصية فيه مع ناخبيهم، بل إن مرشّحين اكتفوا بـ"تويتر" ليكون بوابته الوحيدة إلى الناخبين، فلم يفتتح مقرّا انتخابيا كالعادة، ولم يُجر أي مقابلة تلفزيونية، وما عزّز ذلك ضيق الوقت المتاح أمام المرشّحين هذه المرة تحديدا.

أما الناخبون وغيرهم من الكويتيين فقد وجدوا في "تويتر"، وبشكل أقلّ وسائل تواصل اجتماعي أخرى، ضالّتهم للتعبير عن آرائهم في كل ما يروْنه ويسمعونه. وفي بعض المرّات، جعلوا من تلك المنصّات محاكم حقيقية لمحاكمة المرشّحين، وخصوصا من كان نائبا منهم في الدورات السابقة لمجلس الأمة، اتّكاءً على أدائهم في تلك الدورات. وما جعل من "تويتر" فضاء شعبيا مرعبا لمرشّحين كثيرين، كما أنه، على صعيد آخر، ساهم في إنتاج ظواهر سلبية في أثناء فترة الانتخابات، أبطالها مغرّدون استغلّوا شعبيتهم وانتشار حساباتهم في التسويق غير المباشر وغير الموضوعي لبعض المرشّحين مقابل أموال يدفعها الأخيرون بسخاء للاستفادة من جاذبية "تويتر" وقوته في الحياة اليومية في الكويت.

وما لاحظته الاندهاش الشديد الذي يُبديه متابعون عرب كثيرون، والخليجيون تحديدا، من جرأة الكويتيين الكبيرة في مناقشة موضوعاتٍ سياسيةٍ تعدّ، في بعض البلدان، من المحرّمات! ورغم أن ذلك الاندهاش يتحوّل، في أحيانٍ كثيرة، إلى هجوم غير أخلاقي بغرض شيطنة الممارسات الديمقراطية الكويتية، إلا أنني أراه مفيدا على المدى البعيد، لأنه سيساهم حتما في رفع مستوى النقاشات الشعبية العربية في جانبها السياسي، ويفتح عيون الآخرين على أهمية النقد الشعبي وصولا إلى الخيار الديمقراطي، بأي شكل من أشكاله، هنا أو هناك.

ولهذا على الكويتيين استثمار مثل هذه النقاشات الحرّة والمفتوحة بينهم وبين الآخرين، بدلا من تحويلها إلى منصّة صراعات كلامية مستمرّة وأداة تفريغ نفسي لهم ولغيرهم، والعمل على تقديم صورةٍ إيجابيةٍ لمخرجات الممارسة الديمقراطية في نسختها الكويتية، فالعيون كلها متّجهة إلى التجربة الكويتية شبه اليتيمة في محيطها الإقليمي، وكثيرون يترصدونها ويتمنّون فشلها ويعملون على ذلك، لأسبابٍ كثيرة، أبرزها أنهم لا يريدون لبذرة الديمقراطية أن تنبت في بلادهم بعد أن تنقلها رياح التغيير... حتما.

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.