الكوفيّة بطلة المشهد

06 يونيو 2024

كويتية ترتدي الكوفيّة في مسيرة داعمة لفلسطين في العاصمة الكويت (3/11/2023/فرانس برس)

+ الخط -

الكوفيّة؛ الرمز الفلسطيني الذي أصبح جزءاً من القضية كلّها، منذ ستينيات القرن الماضي، تبدو منذ "طوفان الأقصى" كأنّها مفتاحُ التضامنِ العالمي مع فلسطين وقضيتها، في كلّ مكان وفي المستويات كافّة. ولا أظن أنّ من جعل من هذه القطعة، التي هي جزء من الزيّ الشعبي العربي للرجال في أكثر من بلد، رمزاً لفلسطين وحدها، كان يتوقّع أن تحظى بهذا الانتشار العالمي في مُختلف مدن الأرض. بل لا أظنّه فعلها للمرّة الأولى بقصدٍ، لكن، لأنّها ارتبطت برجال المقاومة، بمختلف توجّهاتهم السياسية، ولأنّها تميّزت من غيرها بشكلها العربي الشعبي سرعان ما أصبحت كذلك، إذ ارتداها كثيرون في العالم للتدليل على موقفهم الإيجابي من القضية الفلسطينية، وتضامنهم مع فلسطين دائماً.

بلا كلمات ولا شعارات ولا أناشيد ولا أعلام، يمكن أن تقرأ تفاصيل المشهد كلّه، وتسبر أغواره لمُجرّد أن ترى الكوفيّة في أيّ شكل من الأشكال الممكنة لها. فهي على رمزيتها، بشكلها التقليدي، إلا أنّها كانت دائماً قابلةً للتشكّل بصور كثيرة، لتناسب كلّ من يودّ ارتداءها، من الرجال والنساء والصغار والكبار والعرب، والأجانب أيضاً.

هذه الأيام مثلاً، أصبحت الكوفيّة العامل المشترك في كلّ حفلات التخرّج من الجامعات والمدارس الثانوية، بل حتّى حضانات ورياض الأطفال في الكويت. حضرت هذا الأسبوع أكثر من حفلة تخرّج، إحداها كانت لحضانة أطفال، أي أنّ الخرّيجين والخرّيجات لا تتجاوز أعمارهم الرابعة فقط، وكانت الكوفية جزءاً من زيّ التخرّج، وهو ما أثار إعجاب الآباء والأمهات وجميع الحضور. أما تفاصيل الحفل نفسه فقد كانت حافلة بالسمت الفلسطيني الخالص، رغم أنّ جميع الخرّيجين من الكويتيين، ولا يوجد بينهم فلسطيني واحد، لكنّ فلسطين نفسها موجودة؛ أناشيد وأغنيات... أوشحة وأعلام وشعارات.. مشاهد وتمثيليات ومسرحيات وصور فوتوغرافية وأفلام.. وشارات نصر مرفوعة على سبيل التفاؤل بفلسطين حرّةً مستقلّةً في وعي جيل للتو يتشكّل على حلم كبير.

مثل هذه الممارسات الصغيرة تعكس ما يشعر به الكويتيون تجاه القضية الفلسطينية، وما يُودّون أن ينقلوه بسلاسة إلى أبنائهم، باعتباره من مُسلّمات الكويت التاريخية على مستوى الشعب، والقيادة أيضاً. فمن خلال ارتداء الكوفيّة على المنصّات، والتقاط الصور في جوّ احتفالي، يُعبّر الخرّيجون عن دعمهم للشعب الفلسطيني ونضاله من أجل الحرّية والاستقلال. كما أنّ هذه الممارسة أصبحت طريقة لربط هذه المناسبات الخاصّة بالخرّيجين برمزية وطنية أوسع. علاوة على ذلك، يعكس التعبير عن التضامن مع القضية الفلسطينية، في هذه الاحتفالات، الوعيَ السياسي والاجتماعي المتنامي بين الشباب الكويتي بهذه القضية، وبغيرها أيضاً. لقد أصبحوا يدركون أهمّية الدعم والتأييد للقضايا العربية والإسلامية المُهمّة، ممّا يعكس الدور الحقيقي الذي تلعبه مثل هذه المناسبات في تشكيل الوعي والهُويّة الوطنية لدى الشباب، خاصّة أنّ مثل هذه الممارسات، عموماً، تساهم في زيادة معرفة وفهم الشباب الكويتي بالواقع الفلسطيني وتحدّياته، كما أنّها تخلق مساحةً للنقاش والتفاعل بشأن القضايا الفلسطينية، واستمرار النضال من أجل الاستقلال، بالإضافة إلى تنمية الشعور بالتضامن والوحدة العربية، ولو على الصعيد الوجودي.

ولهذا كلّه، لا ينبغي أن نقلّل من الدور الذي تلعبه الكوفيّة رمزاً في أيّ تواجد للشباب، فلمثل هذا الدور، أساساً، وجدت الرمزيات والشعارات السياسية، وغير السياسية أيضاً، واكتسبت أهمّيتها في تعزيز الوعي بالقضايا التي تشير إليها، بل وتخليقه، وقد نجحت الكوفيّة في أن تكون في رأس هذه الرمزيات الفلسطينية على صعيد العالم كلّه، وربّما بشكل غير مسبوق على هذا النحو البسيط، والشامل في الوقت نفسه. وهو ما يجعلنا نشيد بكلّ جهد يُبذل من الجامعات والمدارس ورياض الأطفال لتعزيز وجودها في كلّ مناسبات الطلاب والطالبات، حتّى لا ينسوا أنّ فلسطين مُحتلّة، وأنّ تحريرها مهمّة تنتظرهم.

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.