الكتاتني وجمال مبارك

14 ديسمبر 2015

سعد الكتاتني وجمال مبارك .. الصورتان الكاشفتان

+ الخط -
ليس دقيقاً تماماً أن واقعة "3 يوليو" في 2013 في مصر كانت انقلاباً عسكرياً، وإنْ كان الأوضح فيها أنها كذلك. من الأنسب أن توصَف بأنها "انقلابٌ بوليسي"، وتدل الوقائع التالية لمساء ذلك اليوم على هذه الصفة، فاستئساد البوليس المصري ضد المتظاهرين والمعارضين للانقلاب، وما يجري، بهمةٍ ونشاطٍ ظاهريْن، في السجون ضد هؤلاء، من صنوف الاضطهاد والإذلال، يعطيان وجاهةً كافية للزعم أن الجيش الذي أطاح محمد مرسي عن الرئاسة إنما هو الخيمة التي تظلل النظام الحاكم، فيما قوى الأمن وأجهزتها النافذة في الدولة أداة هذا النظام، وذراعه التنفيذية، ليس فقط في تحالفها مع شياطين الفساد، بل أيضاً في استعادتها دولة حسني مبارك وحبيب العادلي وأحمد عز، أي الدولة التي تطلّع ثوار 25 يناير إلى سيرورةٍ ديمقراطيةٍ ووطنيةٍ تهدمها، وتبني دولة العدالة الاجتماعية القويّة المشتهاة. ولذلك، كان طبيعياً أن يصير رموز هذه الدولة، العائدة المستعادة، خارج السجون، بعد محاكماتٍ وديعة، ومعاملةٍ حسنة في أثناء احتجازهم، وقد أصدر القضاء الذي يزبّط له ثعالب وزارة الداخلية حيثيات أحكامه براءاتهم اللازمة. لا يحتاج تفسير هذا الحال، متوازياً مع وجود نوابٍ منتخبين بعد ثورة 25 يناير، وإخوانيين بلا عدد، وكذا شبان من قوى هذه الثورة، في المعتقلات، وفي ظروفٍ شديدة التعاسة، لا يحتاج إلى عناءٍ كثير، فالبوليس الذي استرد دولته بعد "3 يوليو" هو الذي يقرّر من يحكم مصر ومن يديرها، وإذا لزمت للأمر انتخاباتٌ نيابية فلا بأس، فثمّة خبرة وفيرة لدى المخابرات وأجهزة وزارة الداخلية، ليكون في مجلس الشعب من يُراد لهم أن يكونوا فيه، أما قلة المصوتين أو كثرتهم فتفصيلٌ تسلي نفسها به قناة الجزيرة، التابعة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين بحسب وائل الأبراشي.
الصورتان اللتان قرنهما ناشطون ببعضهما لجمال مبارك في محبسه السابق، ريّان الوجه، وفي عافيةٍ ظاهرة، قبل الإفراج عنه بالبراءات والكفالات المعلومة، ولسعد الكتاتني ضامراً وشاحباً وفي هزالٍ بيّن، في سجنه الراهن، محكوماً بالإعدام لهربه من سجنٍ إبّان ثورة يناير، وبالمؤبد لتخابره مع حركة حماس (!)، هاتان الصورتان لا تؤشران إلى غير المعلوم، وموجزه أن هزيمةً جرت لدولة يناير، في منازلة الثورة المضادة معها، وأن دولة بوليس حبيب العادلي برئاسة حسني مبارك، وإعلام لميس الحديدي، تستأنف في مصر سيرها الذي يجوز فيه لأحمد عز أن يترشّح للبرلمان، وتزهق فيه أرواح 272 مصرياً في الزنازين، (منهم قبل صدور أحكام عليهم)، بإهمال طبي، وبتعذيبٍ لا يؤكده ولا ينفيه المجلس القومي لحقوق الإنسان (؟). وأن لا يموت هذا العدد في سجون عهد مبارك طوال ثلاثين عاماً، فيما ينفرد عام واحد به في حكم عبد الفتاح السيسي، من يونيو 2014 إلى يونيو 2015، بحسب مركز ابن النديم، فلا معنى لذلك سوى أن انقلاب 3 يوليو كان بوليسياً، بل ليته كان عسكرياً، كما كتب محقاً أستاذنا عبد الوهاب الأفندي، عشيّة حدوثه.
عندما احتُجز رئيس البرلمان المنتخب المنحل، الأستاذ الجامعي في علم النبات (يحمل ليسانس آداب أيضاً)، سعد الكتاتني، في الساعة نفسها التي كان السيسي يتلو بيان الانقلاب، كان الظن أن الأمر إجراءٌ احترازي. لم نكن قد توفرنا على المقادير اللازمة من معرفة الذي كان يجري على الهواء مباشرة، ولم نتسلّح بسوء الطوية الضروري لاستيعاب المشهد. ولاحقاً، دلّ ما جرى للكتاتني على ما ينبغي أن نعرف. استُحضرت للرجل تينك القضيتان، وتم تجريم "الإخوان المسلمين" بالسرعة المطلوبة، واستيقظت أشنع غرائز الانتقام والتشفي ضد هؤلاء الناس، لا لشيء إلا لأن صناديق الانتخاب جاءت بهم إلى السلطة. ثم تدحرجت التفاصيل التالية إلى الوقائع المشهودة من فجورٍ إعلامي سقيم، ومن سفورٍ سياسي مقيت، ومن توحش بوليسي يستسهل القتل وإزهاق الأرواح في الزنازين وخارجها، فلم تكشف صورتا الكتاتني وجمال مبارك شيئاً لم يكن مكشوفاً.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.