القمة الأميركية – القطرية .. من شراكة استراتيجية إلى تحالف

03 فبراير 2022

أمير قطر الشيخ تميم بن حمد والرئيس الأميركي بايدن في البيت الأبيض (31/1/2022/فرانس برس)

+ الخط -

استقبل الرئيس الأميركي، جو بايدن، في الحادي والثلاثين من كانون الثاني/ يناير 2022، في البيت الأبيض، أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في أول قمةٍ تجمع الرئيس بايدن مع زعيم خليجي منذ توليه الرئاسة قبل نحو عامٍ. وحظيت القمة باهتمام كبير؛ نظرًا إلى أهمية القضايا التي تناولتها. وقد تُوجت بإعلان الرئيس بايدن عن قراره تصنيف قطر "حليفًا رئيسًا (للولايات المتحدة الأميركية) من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)".

ملفات القمة

بحسب تصريحات الطرفين، تطرّقت القمة الأميركية - القطرية إلى جملة من القضايا الإقليمية والدولية، وفي مقدّمتها "الأمن في الخليج والشرق الأوسط الكبير"، وضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية في ضوء المخاوف من تأثّرها بأزمة أوكرانيا، ومواصلة التنسيق بشأن الوضع في أفغانستان، وأزمة الملف النووي الإيراني، والقضية الفلسطينية التي شدّد الشيخ تميم على أنه يريد أن يبحث فيها مع الرئيس بايدن "الحقوق المتساوية للشعب الفلسطيني". وتناولت القمة، أيضًا، سُبل تعزيز التعاون التجاري والاستثماري بين قطر والولايات المتحدة، والعلاقات الدفاعية والأمنية المشتركة التي يُتوقع أن تشهد تطورًا كبيرًا بعد إعلان بايدن تصنيف قطر حليفًا رئيسًا لبلاده من خارج حلف الناتو. 

أولًا: أزمة أوكرانيا

مثّلت أزمة أوكرانيا أبرز الموضوعات التي ناقشتها القمة الأميركية – القطرية، خصوصا في ضوء مساعي إدارة بايدن لوضع خطط طوارئ في حال إقدام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على قطع إمدادات الغاز الطبيعي عن أوروبا ردًّا على أيّ عقوبة اقتصادية غربية قد تستهدف بلاده، إنْ أقدمت روسيا على غزو أوكرانيا. وتزوّد روسيا أوروبا بنحو 40% من احتياجاتها من الغاز، إلا أنها خفضت صادراتها إليها في الربع الأخير من العام الماضي بنسبة 25%، مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2020؛ وذلك في محاولة للضغط على الأوربيين لتجنّب مسايرة الموقف الأميركي بشأن أوكرانيا. وتحاول إدارة بايدن الحفاظ على وحدة الموقف الغربي ضد موسكو في الملف الأوكراني، وتحديدًا مع ألمانيا، عبر تقديم ضماناتٍ متعلّقة بوجود بدائل في حال انقطاع الغاز الروسي في فصل الشتاء. وكان الرئيس بايدن ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أصدرَا، في وقت سابق، بيانًا مشتركًا قالا فيه إنهما يعملان على ضمان "توفير إمدادات كافية من الغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي، من مصادر متنوعة، لتجنب انقطاع الإمدادات". وفضلًا عن احتمال حصول نقصٍ في الإمدادات، تخشى الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من حصول ارتفاع كبير في أسعار الطاقة في وقت تحاول فيه اقتصاداتها، والاقتصاد العالمي عمومًا، النهوضَ من تأثيرات جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 2019).

مثّلت أزمة أوكرانيا أبرز الموضوعات التي ناقشتها القمة الأميركية – القطرية

وبالنظر إلى أنّ قطر هي أكبر منتج ومصدّر للغاز الطبيعي المُسال في العالم، إذ إنها تسيطر على 22% من سوقه، وتملك 12% من أسطول نقله (74 ناقلة) ، فإنها تُعد ركنًا أساسيًّا في خطط الولايات المتحدة لتأمين "مصادر بديلة" لتعويض أيّ فاقد روسيٍّ لأوروبا. وشدّدت قطر على أنها لا تريد أن تكون طرفًا في أي استقطاب سياسي. وقد اهتم الشيخ تميم بطَرْح أجندات قطرية أخرى على جدول الأعمال؛ منها قضايا إقليمية، وقضية فلسطين، كما أنه لم يصطحب معه وزير الطاقة؛ في إشارة إلى أنّ موضوع الغاز ليس هو الموضوع الرئيس في الزيارة. لكنّ قطر أكّدت، أيضًا، أنها مستعدّة للتعاون مع منتجي الغاز ومستهلكيه، فهي مدركةٌ أهمية هذا الموضوع بالنسبة إلى أوروبا؛ ومن ثم تعزيز مكانتها. ومن ناحية أخرى، منتوج قطر من الغاز هو حاليًّا بالطاقة القصوى تقريبًا، وهي مرتبطة بعقود طويلة الأمد مع دول عديدة (تحديدًا في آسيا) ، كما أنها تصدّر 5% فقط من إنتاجها من الغاز إلى أوروبا؛ ما يعني أن تعويض الغاز الروسي في حال انقطاعه عن أوروبا سيحتاج إلى تفاهم متعدّد الأطراف، يوافق بموجبه حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون، وفي مقدّمتهم الهند واليابان وكوريا الجنوبية، على تحويل بعض تعاقداتهم مع قطر، على الغاز الطبيعي المسال، إلى أوروبا. ويتطلب الأمر أيضًا حثّ منتجين آخرين، وتحديدًا أستراليا وإيطاليا وهولندا والنرويج، على المساهمة إلى جانب الولايات المتحدة في توفير شحنات غاز أكبر لأوروبا. 

ثانيًا: الوضع الأفغاني

جاءت أفغانستان في المرتبة الثانية من حيث الأهمية على جدول أعمال المحادثات القطرية - الأميركية. وتتطلع إدارة بايدن إلى دور قطري فعّال في التعامل مع الوضع الأفغاني، خصوصا بعد أن صارت قطر ترعى مصالح الولايات المتحدة في أفغانستان منذ انسحاب قواتها منها خلال الصيف الماضي. وقد امتدت مساعدة قطر للولايات المتحدة في الموضوع الأفغاني على مدى ثلاث إدارات أميركية؛ بدءًا بإدارة الرئيس باراك أوباما، مرورًا بإدارة الرئيس دونالد ترامب، وصولًا إلى إدارة الرئيس بايدن. وعلى امتداد سنوات عديدة، استضافت قطر جولات حوار بين حركة طالبان والولايات المتحدة، انتهت بالتوصل إلى "اتفاق الدوحة"، في شباط/ فبراير 2020، الذي مهّد السبيل لإنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة.

تتطلع إدارة بايدن إلى دور قطري فعّال في التعامل مع الوضع الأفغاني

ومنذ الانسحاب الأميركي من أفغانستان، نقلت الخطوط الجوية القطرية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، أكثر من 124 ألف شخص، واستضافت جزءًا منهم في مخيمات خاصة في الدوحة، إلى حين البتّ في طلبات لجوئهم ووجهاتهم. وعلى الرغم من نشوء بعض الخلافات بين الدوحة و"طالبان" في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، التي ترتب عليها تعليق رحلات الإجلاء الجوي، فإنّ الطرفين توصلا في الفترة الأخيرة إلى اتفاقٍ يسمح باستئناف عمليات الإجلاء. ولا تزال إدارة بايدن تطلب مساعدة قطر في إنهاء هذا الملف، وما زالت تحتاج إليها كقناة ديبلوماسية للتواصل مع حكومة "طالبان" التي لا تعترف بها الولايات المتحدة، فضلًا عن إدارة مطار كابول الدولي. وقد توصلت قطر و"طالبان"، أخيرا، إلى اتفاق لإعادة تشغيله بمشاركة قطرية - تركية.

ثالثًا: الملف النووي الإيراني

منذ وصول إدارة الرئيس بايدن إلى الحكم قبل نحو عامٍ، تخوض مفاوضات معقّدة لإحياء "الاتفاق النووي" مع إيران الذي كانت إدارة أوباما قد توصلت إليه عبر مفاوضات متعدّدة الأطراف، عام 2015، قبل أن تنسحب إدارة ترامب منه، عام 2018. ورغم عقد ثماني جولات من المفاوضات غير المباشرة في العاصمة النمساوية، فيينا، بين الولايات المتحدة وإيران، عبر الأطراف الأوروبية والروسية والصينية، المشاركة في اتفاق 2015، فإنه لم يحدث حتى الآن اختراق بين الطرفين. وتطالب الولايات المتحدة بامتثال إيران مباشرة لشروط اتفاق 2015، في حين ترى إيران أنه ينبغي أن تتخذ الولايات المتحدة الخطوة الأولى، وأن ترفع كلّ العقوبات الاقتصادية عنها، على أساس أنها هي التي أخلّت بالاتفاق. وبحسب وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، فإنّ مباحثات الشيخ تميم مع الرئيس بايدن ناقشت الاتفاق النووي الإيراني، وإنّ دور قطر لا يقوم على نقل الرسائل، بل إنها تستغل القنوات المفتوحة مع الولايات المتحدة وإيران لـ "تقريب وجهات النظر"، ويهمها التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني.

تُمثّل القمة مؤشرًا مهمًّا دالًّا على نجاح قطر في الحفاظ على دورها بوصفها فاعلًا أساسيًّا في المنطقة

وتُعد قطر في موقعٍ يؤهلها لأداء دور الوساطة بين الطرفين؛ نظرًا إلى علاقتها الجيدة بكليهما. وكان وزير الخارجية القطري قد زار إيران قبل أيام من القمة القطرية - الأميركية، وجاءت هذه الزيارة بعد زيارة قام بها إلى الدوحة وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، ثمّ إنّ وزير الخارجية القطري سبق الشيخ تميم إلى واشنطن، في ظل معلوماتٍ تشير إلى أن إيران قد توافق على الاجتماع المباشر مع المفاوضين الأميركيين، وعلى الإفراج عن بعض المعتقلين الأميركيين من أصول إيرانية في سجونها، وهما أمران تبذل قطر جهدًا في تحقيقهما.

رابعًا: العلاقات التجارية 

مثّلت القمة الأميركية - القطرية مناسبة، أيضًا، لمناقشة العلاقات التجارية وتعزيزها؛ إذ جرى في أثنائها الإعلان عن صفقة ضخمة بين شركة بوينغ الأميركية والخطوط الجوية القطرية، وُقِّعت في البيت الأبيض. وبحسب هذه الصفقة، ستشتري قطر ما قد يصل إلى 102 طائرة بقيمة إجمالية تبلغ 34 مليار دولار تقريبًا. وفي تفاصيل الصفقة، ستشتري الخطوط الجوية القطرية ما يصل إلى 50 طائرة شحن من طراز "بوينغ 777-8"، من ضمنها 34 طلبَ شراءٍ مؤكَّد، و16 طائرة إضافية على نحو اختياري. وستقوم الخطوط الجوية القطرية أيضًا بتحويل 20 طلبية من أصل 60 طائرة "777X" إلى طائرة شحن "777-8"، إضافة إلى طلب طائرتين من طائرات "بوينغ 777" الحالية للشحن. وفضلًا عن ذلك، وقّعت الشركتان مذكرة تفاهم لشراء ما يصل إلى 50 طائرة "بوينغ 737-10"، تتضمن 25 طلبًا مؤكدًا، و25 طائرة إضافية على نحو اختياري، بقيمة إجمالية تقارب 7 مليارات دولار. وسوف يستفيد من هذه الصفقة مصدّرون أميركيون في 38 ولاية؛ ما سوف يوفر 35000 فرصة عملٍ، فضلًا عن ضخّ 2.6 مليار دولار سنويًّا في الاقتصاد الأميركي. وفي المقابل، فإن قطر ستحصل، في الفترة 2023-2027، على أحدث أسطول جويٍّ عالميٍّ، وهو أمرٌ يزيد من كفاءة خطوطها الجوية، ويقلل من تكاليف السفر ومدده الزمنية. 

خامسًا: إعلان قطر حليفًا رئيسًا من خارج "الناتو"

أشار الرئيس بايدن، في رسالته إلى الكونغرس التي يُخطره فيها رسميًّا بتصنيف قطر "حليفًا رئيسًا من خارج الناتو"، إلى إنه يقوم بذلك "تقديرًا لمساهمات قطر طوال سنوات عديدة في الجهود التي تقودها الولايات المتحدة في نطاق منطقة مسؤولية القيادة الوسطى الأميركية، واعترافًا بمصلحتنا الوطنية في تعميق التعاون الدفاعي والأمني الثنائي مع دولة قطر". وبهذا، تكون قطر ثالث دولة خليجية تحظى بهذا الصفة، بعد الكويت والبحرين، والدولة التاسعة عشرة عالميًّا. وعلى الرغم من أن هذا التصنيف لا يعني أن الولايات المتحدة ملزمة بالدفاع عن الدول المدرجة فيه، فإنه يندرج - بحسب تعريف وزارة الخارجية الأميركية - تحت القانون الأميركي، ليمنح الطرف المعنيّ امتيازاتٍ محدّدةً في مجالات التعاون الدفاعي والأمني والتجاري، وهو بمنزلة مؤشّر قوي دالّ على العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة والدولة المشمولة بهذا التصنيف. وبناءً على ذلك، سوف يمنح القرارُ قطر مكانةً دبلوماسية أرفع، وسيتيح لها إمكانية الحصول على تكنولوجيا وأنظمة ومعدّات عسكرية وأمنية، فضلًا عن التدريب، وامتيازات أخرى تتعلق بتخزين الأسلحة الأميركية على أراضيها وعقود الصيانة. وقد يؤدّي هذا التصنيف الجديد إلى إزالة العقبات أمام طلبٍ تقدّمت به قطر، منذ عام 2020، لشراء طائراتٍ من دون طيار بقيمة 500 مليون دولار. وكان هذا الطلب معلّقًا من جهة وزارة الخارجية الأميركية، رغم موافقة وزارة الدفاع عليه، بذريعة أنه قد يُخلّ بالتوازنات العسكرية في منطقة الخليج العربي، وقد يُغضب بعض الحلفاء الأميركيين، وتحديدًا الإمارات وإسرائيل. 

خاتمة

تُمثّل القمة التي عقدت بين الرئيس بايدن والشيخ تميم مؤشرًا مهمًّا دالًّا على نجاح قطر في الحفاظ على دورها بوصفها فاعلًا أساسيًّا في المنطقة؛ وذلك بعد خمس سنوات من محاولة تحجيم دورها عبر فرض حصار إقليمي. وتعبّر القمة، أيضًا، عن مدى أهمية قطر في المقاربة الإقليمية لإدارة بايدن؛ مثلما ظهر ذلك في أفغانستان، وقطاع غزة، ومحاربة "الإرهاب"، والحفاظ على الاستقرار في الإقليم، إضافةً إلى بروزها بوصفها فاعلًا مهمًّا في أزمة أوكرانيا، وأزمة الملف النووي الإيراني، وغيرهما.