01 نوفمبر 2024
القاتلون في "صبرا وشاتيلا"
روى ناجون من "صبرا وشاتيلا" عمّا شاهدوا في أثناء التقتيل الذي استمر 43 ساعة في المذبحة المعلومة. لولا الذي قالوه، وهو ليس قليلاً، ولولا الصور التي ضّجت في العالم بعد المقتلة، ولولا ما أشهره صحافيون عمّا عاينوا، لما وقعنا على هول هذه الجائحة الباهظة الشّناعة. ولكن، ماذا عن القتلة، من هم بالضبط، وأين هم الآن، ومن أين توفّروا على كل ذلك التوحش الفظيع فيهم، وقد ارتكبوا جرائمهم في المخيمين الفلسطينيين المنكوبين بلذةٍ وفرح؟ ليست هذه الأسئلة عن المدبّرين والمخططين، ولا عن الذين أمروا أولئك بإنجاز "المهمة". إنها عن العناصر التي أعملت في الضحايا ذلك التمويت بالبلطات والسكاكين والمسدّسات والقذائف والبساطير، عن الذين بقروا بطوناً، وذبحوا رقاباً، واغتصبوا نساءً قبل أن يقتلوهن.
على وفرة ما نشر من سردياتٍ عن المذبحة، وعلى ما في الجهد التوثيقي لبيان نويهض الحوت، في كتابٍ لها (800 صفحة، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2003)، من فرادةٍ، وهو الأميز بشأن ما جرى في ذلك الصيف الأسود عام 1982، إلا أنك بالكاد تعثر على نتفٍ شحيحةٍ عن أسماء أولئك المجرمين في المليشيات المعلومة، وأين صاروا، وعلى شهاداتٍ منهم يحكون فيها عما فعلوه. قرأنا أن بعضهم هاجر من لبنان، وأن منهم من بقوا، وربما تولوا في "الكتائب" و"القوات اللبنانية"، وغيرهما، مسؤوليات قيادية. قرأنا أسماءً من هؤلاء، من دون "تثبّتٍ" يؤكّد مشاركتهم في إزهاق أرواح نحو ثلاثة آلاف نفس، تمكّنت الحوت من توثيق أسماء 906 ضحايا منهم، (بينهم، فضلاً عن الفلسطينيين، لبنانيون عديدون وسوريون وباكستانيون ومصريون وجزائريون وخمسة عمال بنغاليين) و484 مفقوداً ومخطوفاً.
وحده (على الأرجح) فيلم الألمانية، مونيكا بورغمان، وشريكيها لقمان سليم وهيرمان تايسون، (مجزرة)، يسّر مادةً نادرةً وشديدة الأهمية في الذي يُؤتى عليه هنا. يتحدّث ستةٌ من القاتلين عما فعلوه، من دون أن تتضح وجوههم وقسماتهم، وبإغفال أسمائهم طبعاً. أنتج الفيلم في 2004، وشاهده كاتب هذه السطور في مهرجان دبي السينمائي. لا أتذكّر أنه حدّد أماكن عيش هؤلاء، قال خمسة من القاتلين الستة الذين يعيشون حياةً عاديةً إنهم تزوجوا. والبادي مما حكوه أن أياً منهم لا يشعر بأية "وخزة ضمير" (مع الاعتذار من تقليديّة هذا التعبير). ليس منهم من أظهر نزراً من الندم. بل تحدّثوا بزهو عما قاموا به. قال أحدهم إنه أسند رجلاً كبيراً على حائط، ثم قطع جسمه على شكل صليب. قال آخر إن ضحايا كثيرين تم إجبارهم على الوقوف حول حفرةٍ، ثم كان يتم تصويب النار على ستةٍ منهم، ويُجبر كل واحد منهم على إلقاء جثة من بجواره في الحفرة. وقال آخر إنه شاهد "زميلاً" له يقتل فلسطينيين بساطور، كما لو أنهم خراف. تحدّث المجرمون عن سرقة الضحايا قبل أن يؤولوا ضحايا. قال أحدهم إنه اغتصب فلسطينيةً شقراء ثم قتلها. تحدّثوا عن تدريباتٍ تلقوها في إسرائيل. وبكل عاديةٍ، تكلم أحد الستة عن متعة محاربة الفلسطينيين وروعة قتلهم (مفرداته)، وأشار إلى شعورٍ باللذة وأنت تشقّ بطن قتيل، أو تلوي ذراعه وتمزعها بسكين. قالوا إن الشعور بالاستمتاع بالقتل يتأتى غالباً مع الفتك بالضحية الرابعة. واستفاض أحدهم في حديثه عن تلذّذه بذبح الفلسطيني، أو من معه، بالسكّين.
... شاهد الروائي العراقي، علي بدر، الفيلم، وضمّن روايته "الكافرة" (دار المتوسط، 2015)، إشارةً في مسارها إليه، من غير أن يسمّيه، لكنه أورد أن الفيلم لمخرجة ألمانيةٍ عن مذبحة في لبنان في 1982. ومن أعاجيب هذه الرواية أن والد أحد شخصياتها شارك في المذبحة، ويساوره شعور بالندم، وإن طفلةً صغيرة قتل شقيقيها ووالديها في تلك الأثناء، تلاحقه صورتها في غضون ندمه الراهن، وكانت قد اختبأت منه ونجت. ومن أعاجيب أخرى في "الكافرة" أن ابن القاتل يتزوّج من الشابة التي صارتها تلك الطفلة ... تُرى، ما حاجة علي بدر إلى هذا الافتعال الغريب، من أين "تخيّل" أن قاتلاً في "صبرا وشاتيلا" يغشاه الندم الآن؟ أيّ فيلم هذا الذي صودف شريطُه في الرواية؟ لا، يا صديقي علي، أخطأت كثيراً. لا يريد القتلة في تلك المذبحة المدوّية (وغيرها؟) أن يندموا، ومن أمروهم لا يريدون أن يعتذروا.
على وفرة ما نشر من سردياتٍ عن المذبحة، وعلى ما في الجهد التوثيقي لبيان نويهض الحوت، في كتابٍ لها (800 صفحة، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2003)، من فرادةٍ، وهو الأميز بشأن ما جرى في ذلك الصيف الأسود عام 1982، إلا أنك بالكاد تعثر على نتفٍ شحيحةٍ عن أسماء أولئك المجرمين في المليشيات المعلومة، وأين صاروا، وعلى شهاداتٍ منهم يحكون فيها عما فعلوه. قرأنا أن بعضهم هاجر من لبنان، وأن منهم من بقوا، وربما تولوا في "الكتائب" و"القوات اللبنانية"، وغيرهما، مسؤوليات قيادية. قرأنا أسماءً من هؤلاء، من دون "تثبّتٍ" يؤكّد مشاركتهم في إزهاق أرواح نحو ثلاثة آلاف نفس، تمكّنت الحوت من توثيق أسماء 906 ضحايا منهم، (بينهم، فضلاً عن الفلسطينيين، لبنانيون عديدون وسوريون وباكستانيون ومصريون وجزائريون وخمسة عمال بنغاليين) و484 مفقوداً ومخطوفاً.
وحده (على الأرجح) فيلم الألمانية، مونيكا بورغمان، وشريكيها لقمان سليم وهيرمان تايسون، (مجزرة)، يسّر مادةً نادرةً وشديدة الأهمية في الذي يُؤتى عليه هنا. يتحدّث ستةٌ من القاتلين عما فعلوه، من دون أن تتضح وجوههم وقسماتهم، وبإغفال أسمائهم طبعاً. أنتج الفيلم في 2004، وشاهده كاتب هذه السطور في مهرجان دبي السينمائي. لا أتذكّر أنه حدّد أماكن عيش هؤلاء، قال خمسة من القاتلين الستة الذين يعيشون حياةً عاديةً إنهم تزوجوا. والبادي مما حكوه أن أياً منهم لا يشعر بأية "وخزة ضمير" (مع الاعتذار من تقليديّة هذا التعبير). ليس منهم من أظهر نزراً من الندم. بل تحدّثوا بزهو عما قاموا به. قال أحدهم إنه أسند رجلاً كبيراً على حائط، ثم قطع جسمه على شكل صليب. قال آخر إن ضحايا كثيرين تم إجبارهم على الوقوف حول حفرةٍ، ثم كان يتم تصويب النار على ستةٍ منهم، ويُجبر كل واحد منهم على إلقاء جثة من بجواره في الحفرة. وقال آخر إنه شاهد "زميلاً" له يقتل فلسطينيين بساطور، كما لو أنهم خراف. تحدّث المجرمون عن سرقة الضحايا قبل أن يؤولوا ضحايا. قال أحدهم إنه اغتصب فلسطينيةً شقراء ثم قتلها. تحدّثوا عن تدريباتٍ تلقوها في إسرائيل. وبكل عاديةٍ، تكلم أحد الستة عن متعة محاربة الفلسطينيين وروعة قتلهم (مفرداته)، وأشار إلى شعورٍ باللذة وأنت تشقّ بطن قتيل، أو تلوي ذراعه وتمزعها بسكين. قالوا إن الشعور بالاستمتاع بالقتل يتأتى غالباً مع الفتك بالضحية الرابعة. واستفاض أحدهم في حديثه عن تلذّذه بذبح الفلسطيني، أو من معه، بالسكّين.
... شاهد الروائي العراقي، علي بدر، الفيلم، وضمّن روايته "الكافرة" (دار المتوسط، 2015)، إشارةً في مسارها إليه، من غير أن يسمّيه، لكنه أورد أن الفيلم لمخرجة ألمانيةٍ عن مذبحة في لبنان في 1982. ومن أعاجيب هذه الرواية أن والد أحد شخصياتها شارك في المذبحة، ويساوره شعور بالندم، وإن طفلةً صغيرة قتل شقيقيها ووالديها في تلك الأثناء، تلاحقه صورتها في غضون ندمه الراهن، وكانت قد اختبأت منه ونجت. ومن أعاجيب أخرى في "الكافرة" أن ابن القاتل يتزوّج من الشابة التي صارتها تلك الطفلة ... تُرى، ما حاجة علي بدر إلى هذا الافتعال الغريب، من أين "تخيّل" أن قاتلاً في "صبرا وشاتيلا" يغشاه الندم الآن؟ أيّ فيلم هذا الذي صودف شريطُه في الرواية؟ لا، يا صديقي علي، أخطأت كثيراً. لا يريد القتلة في تلك المذبحة المدوّية (وغيرها؟) أن يندموا، ومن أمروهم لا يريدون أن يعتذروا.