الفلسطينيون وبيان المجلس المركزي
تقرأ البيان الذي صدر عن اجتماعات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، الخميس الماضي، ثم لا تملك إلا أن تكون تقليدياً في تعقيبك عليه. ببساطة، لأنه بيان يؤكد على الثوابت والمرجعيات الفلسطينية، في غير شأن ومسألة، ويوصي، بل يطالب، اللجنة التنفيذية للمنظمة، بتنفيذ قرارات اتخذها، تغتبط لها، ثم ترى نفسك تقول القول إياه عن العبرة بالتنفيذ، وعن الحبر الذي على الورق، وعن الأفعال بعد الأقوال، لأن أرطالاً من البيانات المماثلة صدرت عن اجتماعات عديدة لهيئاتٍ في منظمة التحرير، ولم ير الفلسطينيون قرارات فيها تنزل إلى الأرض، ما أحدث لامبالاةً وفيرةً تجاه هذه القرارات وتلك الاجتماعات وبياناتها. والبادي أن حالة عدم الاهتمام باجتماع المجلس المركزي (هيئة منبثقة عن المجلس الوطني) الجديد كانت عريضة في الشارع الفلسطيني، وإن حظيت قصة القرار (أو التوصية؟) بوقف التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل، بشيء من الانتباه، وبالسؤال المعهود في هكذا نوبات ثورية، وتاريخية، على ما وصف به الأمر في تصريحات مرتجلة، عمّا إذا كانت الزوبعةُ تكتيكاً أم ورقة للتلويح بها، أم بادرة استراتيجية؟
يكلف المجلس المركزي، في بيانه، اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بمتابعة أوضاع الفلسطينيين الحياتية والمعيشية والسياسية في الشتات، ويذكر العراق وسورية ولبنان وغيرها. وإذ في البال أن المنظمة العتيدة إنما أنشئت في 1965 لتمثيل فلسطينيي الشتات، بل وإعادتهم إلى الوطن المحتل في 1948 (هل من يتذكّر؟)، فإن قارئ هذا التكليف سينظر في مأساة الفلسطينيين في سورية، حيث تنتهك آدميتهم في مخيم اليرموك المحاصر وغيره. والفضيحة أن صمت منظمة التحرير ورئاستها تجاه هذا الحال مريع، والشواهد غير قليلة على أن بعض جهود قامت بها هذه الرئاسة بصدد أولئك المنكوبين، منذ أزيد من عامين، اتصفت بممالأة السلطة في دمشق، وتبني مزاعمها ورواياتها.
وعن المصالحة الوطنية، يجدد المجلس المركزي قولاً طيباً في شأنها، ويؤكد على تنفيذ البيانات المتعلقة بها (بياني القاهرة ومخيم الشاطئ تحديداً)، والقول الطيب وصفٌ ينسحب، أيضاً، على غير مسألةٍ وطنيةٍ وجوهريةٍ جاء عليها البيان الحسن، غير أنه السؤال سيطل بنفسه عمّن تتوجه إليهم هذه التأكيدات، من هم المعنيون بتنفيذ اتفاقات المصالحة المشتهاة؟ ما الذي يمنعهم من الاندفاع إلى تحقيقها، من دون حسابات ورهانات؟ سئم الفلسطينيون كل هذا الكلام المكرر والرتيب، فليس لديهم فائض من هناءة البال يصرفونه في ملاحقة هذه الحدوتة المملة. أما قصة التنسيق الأمني (بأشكاله كافة) مع إسرائيل، فالصياغة بشأنه توحي بأنه قرار مرتبط بالتزام إسرائيل باتفاقياتٍ موقعة منها، وأفاد عارفون بأن المقصود أن تفرج سلطة الاحتلال عن الأموال التي تحصلها من ضريبة المبيعات والجمارك على البضائع المستوردة إلى أراضي السلطة، وهي أموال محتجزةٌ منذ ثلاثة أشهر. ومن المتوقع أن يعيدها وزير المالية الإسرائيلي، وهو بنيامين نتنياهو بالمناسبة، بعد نجاحه المتوقع في انتخابات الكنيست المنتظرة الشهر الجاري.
ليس القرار استراتيجياً إذن، رائحة التكتيك فيه ظاهرة، ولمكالمات جون كيري مع محمود عباس في أثناء اجتماعات المجلس المركزي وقبلها وبعدها مفعولها. ولكن، لا يلغي هذا العوار البيّن في هذا القرار ما اشتمل عليه البيان الفلسطيني الجديد من حسناتٍ طيبات، عن الوحدة الوطنية ومقاطعة البضائع الإسرائيلية وتهويد القدس والاستيطان وتفعيل منظمة التحرير، وأيضاً عن "تحميل سلطة الاحتلال مسؤولياتها كاملة تجاه الشعب الفلسطيني كسلطة احتلال". وربما يعد في محله اجتهاد، هنا، أن الأدعى كان أن يصدر البيان متواضعاً في مطالباته وقراراته، فينصرف إلى الممكن، من قبيل إلزام الرئيس عباس بالإقامة، ما أمكن، في غزة، وهناك، يعلن جدولاً زمنياً بخطوات محددة ملزمة له ولحركة حماس باتجاه الخلاص من وضع فلسطيني مخز ومعيب.. ومرعب.