العرب والغرب والإنسان الفلسطيني

29 ابريل 2024
+ الخط -

اجتياح وشيك لمدينة رفح الفلسطينية، مفاوضات مكثّفة يُجريها المصريون لتجنّبه، السعودية تستضيف مباحثات لوقف إطلاق النار، مشاورات في الصين للمصالحة بين حركتي فتح وحماس، مسيراتٍ احتجاجيةً في تل أبيب على إدارة نتنياهو الأزمة وتجاهله صفقات التبادل المقترحة، تصاعد موجة التظاهرات ضد الحرب في الجامعات الأميركية... هذه أبرز أنباء الأيام الماضية في تطوّرات الحرب الدائرة في غزّة منذ سبعة أشهر. والواضح، من هذه المستجدّات المتزامنة، أن محاور الاهتمام وأهداف الحراك الدبلوماسي الحاصل متنوعّة وتجسّد مصالح أطراف الأزمة المباشرة والمعنية بها وحساباتها. والوحيد غير الموجود على قائمة أولويات تلك الأطراف الإنسان الفلسطيني، الضحية الأولى لتلك الحرب وتطوّراتها الدموية ونتائجها المأساوية. فباستثناء التظاهرات في عواصم غربية كبرى، واندلاع موجة احتجاجية مفاجئة في جامعات أميركية كبرى عديدة، لا أحد تقريباً يهتم بالإنسان الفلسطيني أو مشغول بواقعه غير الآدمي. أما الأمم المتحدة، فأعلنت قبل يومين أن الحرب خلّفت (حتى الآن) ما يقدّر بنحو 37 مليون طن من الحطام، أي حوالى ثلاثمائة كيلوغرام من الحُطام لكل متر مربع. ووفقاً للتقديرات الأممية، قد يستغرق رفع هذا الحجم من الحطام وحدَه أعواماً. ما يعني أن إعادة إعمار قطاع غزّة ستحتاج إلى ما يصعب تقديره بسهولة، من تكلفة مالية باهظة ووقت طويل وجهد متواصل.
الأطراف المعنية بوقف القتال متعدّدة، وتتباين مصالحها، إلا أنها جميعاً، حكومات وأجهزة رسمية، تُعبّر عن السياسات والحسابات الخاصة بمن يديرون دفّة الأمور، وليست الشعوب. أما القوى التي ترفض تلك الحرب لأسباب إنسانية، وتبحث عن حياة الإنسان الفلسطيني، فهي على تنوعّها، هي الأخرى، تعبّر عن الشعوب بتنويعاتها من منظمات أهلية ومجتمع مدني وفئات مجتمعية معينة، وخصوصاً الشباب. لكن المدهش في تركيبة أولئك الأكثر حماسة وغيرةً على الإنسان الفلسطيني، أن أغلبهم ليسوا مسلمين ولا عرباً، بل إن أعداداً مُعتبرة منهم يهود. صحيح أن هذا يؤكّد الفجوة المعرفية والإدراكية بين اليهود والصهاينة، لكن هذا بذاته ليس جديداً. الجديد فعلياً على الجانب الآخر، جانب أولئك الذين يُجرون مباحثات في تل أبيب ويعقدون اجتماعات في السعودية ويناقشون المصالحة في بكين. فهؤلاء ليسوا يهوداً، وتجمعهم عروبة وتاريخ وجغرافيا، وتجنّب انفجار المنطقة مصلحة مشتركة لهم جميعاً. ورغم ذلك كله، لا يزالون يظنّون أن تحقيق مصلحتهم لا يكون إلا بالقضاء على المقاومة الفلسطينية وتصفية القضية برمتها. والسبب واضح ومعلن غير خفي، ارتباط القضية والقائمين عليها ومن يتمسّكون بالدفاع عن الحقوق التاريخية قبل المقدّسات الدينية، إسلاميون أو هكذا يقولون. فهم يرفعون شعاراتٍ إسلاميةً ويضعون الدين نبراساً وواجهة لهم. والواقع أن شعاراتهم وانتماءاتهم لا تعنينا في شيء، ما يهمّنا أنهم يبتغون حقاً ويسعون إليه صدقاً، فالرجال تُعرف بالحقّ ولا يُعرف الحقّ بالرجال.
ليس سرّاً أن مصر سعت لتجنّب اجتياح رفح، وأرسلت مدير مخابراتها شخصياً وعلناً إلى تل أبيب، لأسبابٍ أمنية وليست إنسانية. والسعودية دخلت على خط الوساطة لوقف إطلاق النار. فيما ذهب مسؤولو كلٍّ من حركتي فتح وحماس إلى الصين، على أمل أن أي مصالحة في ظل المعطيات الراهنة والحرب الدائرة، سيكون لهم اليد العليا فيها. الغاية الحقيقية لكل من هذه الأطراف ليست نصرة القضية، ولا حفظ حياة مليونين من المدنيين الفلسطينيين المشرّدين والمعرّضين للموت قصفاً وجوعاً وعطشاً. بكل أسف، من يتحرّكون في الغرب من أجل حياة الفلسطينيين وآدميّتهم ليسوا عرباً ولا مسلمين، ومن يضحّون بأرواح الفلسطينيين، ولو بمئات الآلاف، هم أهل العروبة والإسلام.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.