"العربي الجديد" حديقة الصباح المتنوّعة
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
استطاعت "العربي الجديد" في عشر سنوات، أو عشر شموع من ميلادها، أن تبرز بين أكثر الصحف العربية أهمّيةً، تحرص شريحةٌ واسعةٌ من القراء على بدء صباحها بها، وهذا إنجاز يصعُب أن تصل إليه صحيفةٌ في مثل هذه الفترة الوجيزة، حالة ربّما كانت حكراً على الصحف العربية العريقة.
احتلّت "العربي الجديد" هذه المكانة بسبب تنوّع مواضيعها التحليلية، وبسبب سقفها المُرتَفع. ولا مبالغة في القول إنّها غدت أفضل منبرٍ ثقافيٍّ عربيٍّ. الخيار الثقافي ربّما كان هو الخطوة الذكية التي سنّتها الصحيفة، إلى جانب اهتمامها باستقطاب أعلامٍ وأدباءَ وصحافيين ومتخصّصين وأصحاب تجاربَ من مختلف البلدان العربية لكتابة أعمدة ومقالات في مختلف أمور الحياة.
كنت في السابق، حين تصدر زاويتي الحرّة (كلّ يوم اثنين)، أسعى إلى توزيعها كلّ صباحٍ على مجموعاتِ أصدقاءٍ في "واتساب"، ثم صار يأتيني أكثر من ردّ من صديق مرفقاً بعبارة "قرأت المقال من الصحيفة"، أيّ إنّ الصحيفة صارت بالنسبة إلى قرّاء عربٍ (يصعب حصرهم ويتجدّدون كلّ يوم)، ضمن الصحف التي يهتمّون بزيارتها كلّ صباح. ولِمَ لا، ربّما كانت الصحيفة الأولى لهذه الزيارة الصباحية بسبب هذا التنوّع، وأيضاً السقف الجميل للتعبير. ما أن أرسل مقالي إلّا وأراه منشوراً يوم الاثنين مُدقَّقَاً، وقد صار الجانب التدقيقي أيضاً من مميّزات الصحيفة، وبذلك يمكن للكاتب أن يتباهى بعموده حين يراه في هذه الهيئة السليمة، فثمّة عين ثالثة تولّته بالرعاية الشكلية والتشذيب.
يكمن الحصول على الأخبار أوّلاً بأول من القنوات الإخبارية، ولكنّ التحليل من مهام المقالات. وإذا كانت المأساة الفلسطينية، ومأساة غزّة بالتحديد، همٌّ وأرقٌ عربي جامع، فإنّ تفاصيل ما يحدث في كلّ بلد يصعب الإلمام بمختلف جوانبه الخفيّة والظاهرة من دون وجود كُتّاب من ذلك البلد، وهذا ما يمكن ملاحظته مع تنوّع الكتّاب في "العربي الجديد" من مختلف البلدان العربية. ستجد مثلاً قراءةً لما يحدث في السودان من كتّابٍ سودانيين، ومن كتّابٍ عربٍ طبعاً، والأمر ينسحب على لبنان والعراق وغيرهما من بلدان عربية تمور فيها الأحداث، وهو المآل المؤلم الذي أراده الغرب والدول القوية لبلداننا من تقسيم وتمزيق وعنف، ساعدوا مباشرة في بذره ورعايته بالسقاية في بلداننا العربية، التي تجمعها لغة الضادّ و"الجغرافيا الطولية"، حسب تعبير محمد عابد الجابري، في محاضرة له في التسعينيّات في النادي الثقافي بمسقط، كنت أحد الحاضرين فيها (مسجّلةٌ ويمكن مشاهدتها في "يوتيوب")، اللغة التي نقرأ بها الصحف والمقالات، التي تجمع همونا ومشاغلنا، رغم ما يفرّق البلدان العربية (رسمياً وليس شعبياً)، من ضغائن وصغائر تغذّيها الأطماع والأوهام، والاتكاء على أعداء لا ينشدون للوطن العربي سوى التمزيق والتأخّر والانشغال بجراحاته، وهو ما نراه حالياً من خذلان كبير واستسلام عربي رسمي في مساعدة أهلنا في غزّة، والذود عنهم في وجه أكثر قوى العالم وحشيةً وساديّةً لا تتورّع عن وصفنا علناً بـ"الحيوانات".
تتوسّع خريطة هذا التنوّع في "العربي الجديد" لتشمل الفنون والثقافة والرياضة وشؤون الأسرة والطفل، فالصحيفة لا تقف عند حدود الأخبار المنوّعة في هذه المجالات، إنّما تستعين بأقلامٍ عربيةٍ تحليليةٍ لها باعُها وتميّزها في مجالها. كما أنّ صفة الابتكار في اجتراح مواضيع جديدة واستطلاعات في مجالات شتّى، تضاف إليها مرايا ومجتمع وبودكاست، ما يجعل الصحيفة تتميّز عن مختلف الصحف العربية الطليعية بـ"الجديد"، وتجذب، بالتالي، شريحةَ قرّاءٍ واسعةً في مختلف المجالات الحيوية.
لا يمرّ وقت قصير إلّا وأتلقّى عبر حسابي في "واتساب" مقالاً في موضوع ما، لأجد أنّ مصدره صحيفة "العربي الجديد"، وبذلك فإنّ صفة "الجديد" تجد بُعدَها العملي، وليست صفةً أو لافتةً زمنيةً جامدةً فقط أُلحقت بكلمة "العربي" الجامعة. فثمّة جديد تعكسه رؤى ومقالاتٌ وتحليلاتٌ شتّى، تتنوّع وتختلف في كلّ مرّة. صرت كلّ صباح أبدأ يومي بتقليب الصحيفة، وصارت أسماءٌ جديدةٌ أيضاً تبرُز بين وقت وآخر، معربةً أيضاً عن جديدها، الأمر الذي يكسو الصحيفة برداء من المتعة والإثارة المعرفية المُتجدّدة.
تحيّة لـ"العربي الجديد" في عيد ميلادها العاشر، وكلّ عام والجميع بخير.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية