الصواريخ وحسابات الحرب

09 ابريل 2023

جنود لبنانيون يطوّقون موقع إطلاق صواريخ في الجنوب على شمال فلسطين (7/4/2023/الأناضول)

+ الخط -

لا يمكن اعتبار التصعيد الذي شهدته الجبهة اللبنانية مع فلسطين المحتلة عمليةً فردية، على غرار ما حدث في عملية مجدّو التي تسلل فيها لبنانيٌّ إلى الداخل المحتل مزوّداً بحزام ناسف، فعملية إطلاق الصواريخ من لبنان إلى المستوطنات الإسرائيلية كانت مدروسة، ولم تقتصر على صاروخٍ أو اثنين، كما كان عليه الحال في السنوات الماضية، حين كانت تلجأ بعض التنظيمات إلى إطلاق صواريخ بدائية على إسرائيل. الزخّة الأخيرة من الصواريخ زاد عددها عن 25 صاروخاً، سقط معظمها في مناطق خالية، واعتمدت على صواريخ كاتيوشا وغراد، ما يعني أنها ليست من فعل مجموعاتٍ تعمل فرديّاً في الجنوب اللبناني، وفي الوقت نفسه، ليست من مجموعاتٍ عالية التنظيم والتجهيز، خصوصاً أن ترسانة هذه الأنواع من الصواريخ، تحديداً في لبنان، أصبحت من الماضي، بعدما حلّت محلّها أنواع متطوّرة، يتباهى حزب الله بامتلاكها.

أشارت التقديرات الإسرائيلية واللبنانية إلى أن الهجوم الصاروخي من فعل تنظيمات فلسطينية رداً على الممارسات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، غير أن أياً من التنظيمات الناشطة في لبنان، وفي مقدمتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، لم تعلن مسؤوليتها عن العملية، كما أن حزب الله حرص على التبرّؤ من المسؤولية عن الهجوم.

من الواضح أن أحداً لا يريد التصعيد على هذا الجبهة، سواء بالنسبة إلى حزب الله أو إسرائيل، لدرجة أن حكومة بنيامين نتنياهو، ورغم التوعد الذي أطلقته بعد الهجوم الصاروخي، اكتفت بقصف مناطق خالية داخل الأراضي اللبنانية، وهو أمرٌ شبه متفقٍ عليه عادة في حوادث غير منظمة كهذه، إذ يتم منح إسرائيل مساحة تنفيس وردّ لحفظ ماء الوجه، كما أن قادة الأمن في إسرائيل أبلغوا الاجتماع الوزاري المصغر الذي عقد مع القصف بأن الرد الأوسع على حزب الله قد يؤدّي، على الأرجح، إلى إطلاق المنظمة صواريخ دقيقة على المدن الإسرائيلية، ما قد يتصاعد إلى حرب، وأوصوا، في المقابل، بتركيز الرد على "حماس"، وهو ما صوّت عليه الوزراء. الأمر الذي حدث بالفعل، إذ عمدت الحكومة الإسرائيلية إلى التوجّه إلى الجبهة الجنوبية في قطاع غزّة للرد، على اعتبار أن "المنفذين فلسطينيون". ومع أن نتنياهو يحتاج إلى حدث أمني كبير لشد الجبهة الداخلية بعد التظاهرات الغاضبة على التعديلات القضائية التي عرضها على البرلمان، إلا أنه لا ينوي فتح حربٍ كبيرةٍ على الجبهة الشمالية، وهو يدرك أن الدخول فيها سيكون مكلفاً على الصعيدين العسكري والاقتصادي، خصوصاً مع ما يمكن أن تحمله من تأثيراتٍ على استخراج الغاز الطبيعي من البحر المتوسط وتصديره.

كذلك الأمر بالنسبة إلى لبنان الرسمي، إضافة إلى حزب الله، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها البلد، والتي يمكن أن يُضاف إليها تفكّك التحالفات السياسية التي كان نسجها حزب الله في المرحلة التي سبقت حرب تموز 2006، وسمحت له، في ذلك الحين، بنيل غطاء من طرف مسيحي قوي في البلاد، وهو أمر غير متاح اليوم بعدما فرّقت الانتخابات الرئاسية الحليفين.

لكنّ هذا لا يعني أن ما شهدته الجبهة اللبنانية مع فلسطين المحتلة ليس خطيراً وغير مسبوق، ربما منذ حرب 2006، إذ لم يجرِ إطلاق هذا الكم من الصواريخ في "حادثةٍ لقيطة" لم يعترف بها أحد، وهو ما يضع ثقلاً على المؤسسات الأمنية اللبنانية لضبط الوضع على الحدود. والأمر نفسه بالنسبة إلى حزب الله الذي أُطلقت الصواريخ من مناطق سيطرته، وهو الحريص على إظهار قدرته الكاملة، عسكريّاً واستخباريّاً، على التحكّم بمسار الوضع على هذه الجبهة، سواء في التهدئة أو التصعيد.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".