الشعب السوري الـ "واحد واحد"
جاء في خبر، نُشر قبل أيام، أن معبر "عون الدادات"، الواصل بين أماكن سلطة الحكومة السورية المؤقتة ومنطقة نفوذ قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فُتح بعد 20 يوماً من إغلاقه. الخبر، بحد ذاته، ليس مهماً، فكثيرون، وأنا منهم، لم يسمعوا بهذا المعبر، ولا يعلمون لماذا أُغلق، ولا كيف أعيد فتحه .. ولكن ما يدفعنا إلى الاهتمام به أننا ما زلنا نسمع سياسيين سوريين، في طرفي النظام والمعارضة، يصيحون بأعلى أصواتهم، مؤكّدين على الوحدة الوطنية، مردّدين العبارة التي تحوّلت إلى شعار وهتاف: واحد، واحد، الشعب السوري واحد.
الإنسان السوري المنتمي للشعب الـ "واحد واحد"، الذي يؤمن بأن "المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين" يجلس في البلدة التي استقرّ عليها تقسيمُ البلاد في منطقته، شاكياً أمرَه لله، متضرّعاً إليه أن يحمي أفراد أسرته الذين أقعدهم النصيبُ ذاته في بلدةٍ أخرى، قريبة جداً؛ ومع ذلك لا يستطيع رؤيتهم، لأن بينهم معبراً مغلقاً، يقف إلى أحد جانبيه عساكرُ مجنّدون، مجبرون على هذا الوقوف، وإلى جانبه الآخر مجاهدون جاؤوا من أقطار الأرض ليكسبوا فينا ثواباً، وكلُّ مَن تسوّل له نفسه العبور إلى ضفة أهله، تُطلق عليه النيران من الجانبين!
الوضع مستقر، إذاً، والكل حقّقوا ما كانوا يصبون إليه. نظام الأسد مزهوٌّ بما أوصل إليه البلاد من خراب، يظهر مؤيدوه على الفضائيات وهم يتحدّثون عن كثرة الانتصارات، حتى إن أحد أعضاء مجلس الشعب السابقين كان يشرح للإخوة المشاهدين أن النصر يتلخّص في أنّ عدوان إسرائيل المتكرّر على الأراضي السورية ما زال يقتصر على القصف الجوي، وأنها لم تفكّر بهجوم برّي تجتاح فيه جنوب سورية وصولاً إلى دمشق! والمجاهدون مطمئنون إلى أن البقاع الصغيرة من الأرض التي يحكمونها لن تخرُج من تحت سيطرتهم في المدى المنظور، والمعارضون الذين ركّزوا أوضاعهم في بلاد اللجوء، يقفون بالمرصاد لكل مَن تسوّل له نفسُه فتح المعابر مع النظام المجرم، بينما وضع الأمّ التي أتاها خبر أن ابنتها الموشكة على الولادة، المقيمةَ وراء المعبر المغلق، لم يعد محرجاً لأحد، فبإمكانها أن تستغني عن زيارة ابنتها في هذه الظروف الصعبة. وإذا أصرّت فلتبحث عن مُهَرّبٍ في قلبه مخافةُ الله، وهو يوصلها إلى دار ابنتها معزّزة مكرّمة، خلال ثلاثة أيام فقط، بمبلغ يسمونه لَفّة رَسَن، أي مقطوع، قدره 700 دولار، ويجدُر بها ألا تعتبر المهرّب نصّاباً، لأن هذا المسكين سيدفع للمتنفذين في الطرفين المتناحرين، ولا يبقى له من "لفّة الرسن" سوى القليل.
إذا تركتَ أرض الشعب "الواحد واحد" المقسّمةَ ترزحُ بما عليها من أوساخ وأوخام، وذهبت إلى فضاء التواصل الاجتماعي، لا بد أن يزداد طينُك بلة، وترتفع لديك نسبة الصداع، حتى تشارف على الصرع. ستُصادفك، بادئ ذي بدء، عبارةٌ مكتوبةٌ على جدران فيسبوك وتويتر وتيك توك، تنص على أن من يطالب بفتح المعابر خائن! تقرأها فتتوارد الأسئلة على رأسك كأسراب السنونو التي تهاجر في الربيع: لماذا يكون مَن يطالب بفتح المعبر أمام أمٍّ تريد زيارة ابنتها، أو لاجئ يريد العودة إلى داره، أو أخٍ يريد أن يزور أخاه خائناً؟ وكيف ولماذا يكون خائناً؟ هل هو عسكريٌّ ترك مكان مرابطته على خطوط النار، وركض باتجاه الأعداء، واحتمى بهم، وحكى لهم عن أسرار جماعتكم؟ وأنتم، من أنتم أصلاً؟ هل تعرفون الفرق بين الوطنية والخيانة؟ وهل لديكم أسرارٌ أصلاً؟ وإذا إدلبي مقيم في حماه، مثلاً، أراد أن يعود إلى داره، بأي حقّ تمنعونه؟ تخافون أن يتسلّل شبّيحةٌ من النظام إلى جهتكم؟ وإذا نجح شبّيح بالتسلّل إلى مناطقكم بالفعل، ماذا في وسعه أن يفعل؟
بصراحةٍ، يا شباب؟ الشيء الوحيد الذي يمكنكم فعله لخدمة هذا المواطن الغلبان، أن تتركوه في حاله.