الشطرنج الوزاري في مصر
ثمّة نكتة يتداولها المصريون حين يستحكم غباء أحدهم وضيق أفقه، تقول إنّ شخصاً اسمُه يثير التندّر ويجلب السخرية، ذهب إلى الجهة الحكومية المعنية بسجلّات أسماء المواطنين، وطلب تغيير اسمه ليتخلص من الإزعاج والتنمّر الدائم تجاهه. وبعد أن ضحك الموظّف المسؤول حين أخبره الرجل أنّ اسمه "سعد الحيوان"، وافق على طلبه بالتغيير. وطلب منه الاسم الجديد الذي يريد تسجيله في السجلات الرسمية، فقال الرجل: "أريد تغييره إلى سعيد الحيوان".
التغييرات الوزارية في مصر تجسيد حيّ، ومثال نموذجي يضارع في ضيق أفقه وجموده تغيير اسم الرجل من سعد إلى سعيد، والغفلة عن أن سبب المشكلة الحقيقي هو "الحيوان". تدور الحكومات المصرية في حلقات مُتكرّرة من تغيير الأشخاص وليس الشخصيات، وكثيراً ما شهدت حكومات مصر انتقال وزير من وزارة إلى أخرى. وتحدُث عملية التدوير هذه بلا حرج ولا غضاضة، فعدا الحقائب الوزارية المُهمّة التي يطلق عليها "سيادية"، يمكن تكليف أيّ شخص بتولّي أيّ وزارة، سواء كان خبيراً في مجالها أو لا يعلم عنها شيئاً، وفي الحالَين، يقع الاختيار على المطيع الليّن الذي لا يملك رؤيةً ولا قراراً.
في الوقت نفسه، ثمّة وزارات بلا وزن حقيقي ولا قيمة عند صاحب القرار، إذ يعتبرها عادة تجميلية أو على الأكثر تكميلية. وهي وزارات البيئة والآثار والهجرة والتضامن والسياحة والاستثمار والتجارة والصناعة. بل إنّ أيّ وزارة غير سيادية تعامل باستهانة، فتُلغى، كما حدث مع وزارة الاستثمار، التي ألغيت في حكومة مصطفى مدبولي الأولى، وحاليّاً، تُتوقّع إعادتها في الحكومة الجديدة بحجّة تشجيع الاستثمار، رغم أنّها لم تلقَ تشجيعاً ولا ترحيباً في أثناء وجودها. وكانت خمس وزارات حاليّة مجموعةً في وزارة واحدة خلال عهدي أنور السادات وحسني مبارك. فخرجت وزارات الاستثمار والمالية والتجارة والصناعة والتعاون الدولي من رحم وزارة "الاقتصاد"، التي هيمنت عقوداً على كلّ ما له صلة بالاقتصاد. أمّا وزارتَا الآثار والسياحة، فهما في حالة دوران مستمرّ من تقسيم إلى دمج، ثمّ تفكيك، وبعده دمج جديد، وهكذا توالياً. وبينما فصلت في السابق وزارات مُرتبطة ومُتداخلة، مثل الزراعة والري والموارد المائية، أدمجت وزارات كان يجب عدم الخلط بينها، موضوعياً وتنظيمياً، وهما وزارتَي التجارة والصناعة.
وعن آليات اختيار الوزراء ومعاييره، فليس أبلغ في توصيفها وتقييمها من الفيلم السينمائي "معالي الوزير"، الذي جسّد قصة حقيقية لأستاذ جامعي أُبلغ بتكليفه وزيراً، واستدعيَ إلى حلف اليمين مباشرةً على سبيل الخطأ، بسبب تشابه اسمه مع الشخص المطلوب أصلاً، لتصل الكوميديا السوداء ذروتها بإجراء تغيير وزاري بعد فترة قصيرة. وغادر رئيس الوزراء الحكومة، بينما احتفظ وزير الصدفة بحقيبته لسنوات تالية (!) أمّا مصطفى مدبولي فباقٍ رئيساً للوزراء، فهو شديد الطاعة وسريع في تنفيذ الأوامر، وإن كانت محدودة الفعالية أو معدومة الجدوى.. فالمنطق السائد، حسب التوجيهات، أنّ التدقيق يبطئ المسيرة، ودراسات الجدوى تعرقل الإنجاز.
ليس التغيير الوزاري في مصر سوى تغيير لأسماء الوزراء، بل لأسماء الوزارات أيضاً، بينما المضمون واحد ومعايير التوزير ثابتة. والأمر عند الحاكم سواء؛ استبعاد وزير أو إبقاؤه، واستحداث وزارة أو إلغاؤها. وفي مسرحية لعادل إمام لعب فيها دور "الزعيم"، أبلغه مساعدوه بموعد اجتماع له مع الوزراء، فتساءل مندهشاً "إحنا عندنا وزرا؟!" (وهل لدينا وزراء؟!). وعلى ما في ذلك المشهد من سخرية مُسيئة ودلالة سيّئة، إلّا أنّه واقعي، ودقيق في توصيف النظرة العلوية من الحاكم إلى الوزراء إلى حدّ نسيان وجودهم. فهم بالنسبة إليه قطع شطرنج يحرّكها كيف يشاء، أو يستغني عنها. فحياة الملك هي، فقط، المُهمّة، وهم مُجرّد قطع مُسخّرة لذلك.