السعودية وإسرائيل: متى التطبيع؟
لم يعد السؤال اليوم "هل سيحصل تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل؟"، بل متى سيحصل، وعلى أي مستوى وبأي شكل وثمن، وما هي المكتسبات التي سيحصل عليها الطرفان، وما هي "التسهيلات" التي سينالها الفلسطينيون في المقابل، وهم الذين باتوا فعلياً على هامش الهامش في السياسة الخارجية لغالبية الدول العربية؟
حديث ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لشبكة فوكس نيوز، وخطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمام الأمم المتحدة يدفعان إلى إثارة كل هذه الأسئلة، والالتفات إلى الواقع السياسي الجديد في المنطقة الذي نقترب منه أكثر فأكثر، وهو التعبير الذي استخدمه بن سلمان في مقابلته، حين أقر بوجود مفاوضات بين المملكة وإسرائيل برعاية أميركية، وأنها "تتقدّم كل يوم أكثر فأكثر". نتنياهو، في المقابل، استغلّ منبر الأمم المتحدة ليعلن أيضاً أن إسرائيل باتت "على عتبة التطبيع مع السعودية"، وأن "الشرق الأوسط الجديد في طريقه إلى التشكّل".
من الواضح أن الطرفين متفاهمان على التطبيع بدرجة كبيرة، لكن المعضلة تبقى، وفق ما أعلن ولي العهد السعودي، هي القضية الفلسطينية التي وصفها بأنها "مهمّة جداً" للسعودية، وأن هناك حاجة للوصول إلى مكانٍ "يسهل حياة الفلسطينيين". هذا الجزء من المقابلة لم يتلقفه نتنياهو في خطابه، بل حرص على عدم ذكر كلمة "دولة فلسطينية"، واكتفى بالإشارة إلى "الفلسطينيين"، وطالبهم بالاعتراف بما سمّاها "الدولة اليهودية". ورغم أنه تحدّث أن "الطريق نحو سلام حقيقي مع الفلسطينيين يمكن تحقيقه أخيراً"، إلا أنه لم يوضح كيفية الوصول إلى هذا الهدف، من دون أي مفاوضاتٍ مباشرةٍ مع الطرف الفلسطيني، وفي ظل الاعتداءات اليومية على الضفة الغربية والغزو الاستيطاني الذي يلتهم ما تبقّى من أراض كان من المفترض أن تكون "الدولة الفلسطينية". حتى أنه اعترض على ربط الرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس، في خطابه أيضاً أمام الأمم المتحدة، تحقيق السلام في الشرق الأوسط بوجود دولة فلسطينية.
السلطة الفلسطينية ومسؤولوها، بدورهم، يراقبون تسارع الخطى التطبيعية بين السعودية وإسرائيل، وهم قدّموا فعلياً مجموع طلبات للمملكة لنقلها إلى الإسرائيليين عبر الوسيط الأميركي، لكنهم مدركون أيضاً أن سقف التوقعات لتلبية هذه الطلبات، والتي تتضمّن تسهيل إنشاء دولة فلسطينية، متدنٍّ جداً، خصوصاً في وجود الحكومة اليمينية الإسرائيلية. الأمر نفسه تدركه الرياض، إلا أنها مصرّة على الحصول على شيءٍ ما "يسهّل حياة الفلسطينيين"، بحسب تعبير بن سلمان، قبل المضي في أي اتفاق مع إسرائيل.
هذا الواقع أيضاً يعرفه الأميركيون الحريصون على التوصل إلى اتفاقٍ كهذا في عهد الرئيس جو بايدن، وقبل الدخول في معركة حملة تجديد الولاية المقرّر السنة المقبلة، لتحسين فرص بايدن في الفوز في الانتخابات. على هذا الأساس، يضغط الأميركيون بطرق متعدّدة على أطرافٍ في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي لتسهيل إبرام هذا الاتفاق. يتركّز الضغط حالياً في اتجاهين، أولهما القضية الفلسطينية عبر عدم عرقلة الخطوات التي قد يُقدم عليها نتنياهو في المستقبل تجاه الفلسطينيين، رغم أن من المرجّح أن تكون خطوات صورية وتنتهي بانتهاء الغاية منها. الاتجاه الآخر مرتبط بطلب السعودية الحصول على الطاقة النووية السلمية، وهو ما يواجَه باعتراض كبير من أطراف في الائتلاف الإسرائيلي الهشّ، والذين يهدّدون بفرط عقد الحكومة في حال تلبية الطلب السعودي. يتلخّص الدور الأميركي هنا في تقديم ضمانات بأن يكون هناك إشراف مباشر على عمليات تخصيب اليورانيوم أو منح السعودية يورانيوم مخصّباً جاهزاً، وهو ما قد يرضي الطرف الإسرائيلي.
إذا، العمل جار بتسارع على إبرام اتفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل، والذي قد يكون قريباً. وبغض النظر عن كل ما يمكن أن يتم تقديمه للفلسطينيين مقابل مثل هذا الاتفاق، فإنهم سيبقون الخاسر الأكبر، وسيزيد من تهميش القضية الفلسطينية.