الرهان التونسي مجدداً؟

24 يوليو 2022
+ الخط -

في فترة ما بعد الانتكاسات التي ضربت "الربيع العربي"، وعودة الديكتاتوريات بأشكال وصور مختلفة إلى دولٍ عديدة شهدت ثورات شعبية، كانت الأنظار تتجه إلى تونس، باعتبارها لا تزال نموذجاً يُحتذى لشكل من أشكال الانتقال الديمقراطي، على الرغم من شوائب كثيرة اعترت العمل السياسي في البلاد في الفترة التي أعقبت إطاحة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. غير أن التناوب على السلطة في ذلك الحين، وإجراء أكثر من انتخابات رئاسية وتشريعية، أبقيا الآمال بأن بإمكان هذه التجربة مع الوقت أن تنضج وتقدّم مثالاً في القدرة على تجاوز العثرات التأسيسية لأي ديمقراطيةٍ ناشئة. كان الرهان في ذلك الحين على التركيبة التونسية المختلفة، سواء لجهة المستوى التعليمي أو الانفتاح الثقافي الذي عاشته تونس في فترات مختلفة من تاريخها.

غير أن ذلك كله سقط مع انتخاب قيس سعيّد رئيساً لتونس، مستفيداً من الانقسامات الحزبية الكبيرة والحسابات الضيقة التي قدّمت المصالح الفردية على المصلحة العامة، وهو ما أقرّ به رئيس البرلمان المنحل، راشد الغنوشي، في حواره مع "العربي الجديد" أخيرا. هذا الانقسام والتصارع على السلطة، سياسياً، ورغم أنه مشهد صحي في أي ديمقراطية راسخة، إلا أنه ليس كذلك في مثل الحالة التونسية التي لا تزال تدبّ على هذا الدرب السياسي، وهو ما لم يضعه السياسيون في اعتبارهم. ما أحدث نفوراً من الطاقم السياسي، وهجرة إلى شخصيات مثل سعيّد، البعيد كلياً عن العمل السياسي، والمتسلّح بخطابٍ شعبويٍّ يدغدغ مشاعر الجماهير.

وبات الجميع يعلم الآن إلى أين قاد هذا الخيار التونسي الناقم على الطبقة السياسية، بعدما انقلب سعيّد على كل المؤسسات الدستورية من حكومة وبرلمان، وحتى على الدستور نفسه، وصدّر نفسه الحاكم بأمره في البلاد. وها هو اليوم يعدّ لاستفتاء على الدستور الذي خطّه بنفسه، مطيحاً أيضاً كل آراء الخبراء الذين قدموا مشروع الدستور الذي يريده سعيّد. الاستحقاق المقرر غداً الاثنين يؤسّس لحقبة تونسية جديدة كلياً، من شأنها إطاحة الثورة ومنجزاتها نهائيا، أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه منها.

هل يفلح اليوم الرهان على صحوة الوعي التونسي، بعد ما شهدته البلاد، ولا تزال منذ يوليو/ تموز العام الماضي، وتحديداً في الخامس والعشرين منه، وهو التاريخ الذي اختاره سعيّد ليكون موعدا للاستفتاء على مشروع الدستور، باعتباره تصديقاًِ على نهج حكم الفرد الذي خطّه منذ العام الماضي؟.

من المفترض أن التونسيين الذين راهنوا على سعيّد باعتباره "نزيهاً قادماً من خارج الطبقة السياسية الفاسدة"، وهي المقولة التي راجت لتبرير التصويت له، وحتى تأييده في المرحلة الأولى التي تلت انقلابه على الدستور، قد راجعوا أنفسهم بعد الإجراءات التي قام بها هذا "الرئيس النزيه" خلال فترة احتكاره الحكم. هذا شهدناه فعلياً على أرض الواقع بعدما انفضّ كثير من الأحزاب التي أيدت سعيّد بداية من حوله، وباتت من أشدّ المعارضين له. ولكن ذلك ليس كافياً لإسقاط مشروع الدستور، وخصوصاً أن الأحزاب لم تفلح بعد في استعادة ثقة التونسيين، إضافة إلى أن هذه الأحزاب أو غالبيتها دعت إلى مقاطعة الاستفتاء، وهي خطوةٌ لا يمكن وصفها إلا بالسلبية، ولا سيما أنها تمهد الطريق لترسّخ الدستور في ظل عدم تحديد سعيّد ولجنته الانتخابية أي نسبٍ للنجاح، لا لجهة المشاركة ولا لجهة معدل الأصوات.

 من المفترض أن يكون الرهان اليوم على الأصوات نفسها التي أوصلت سعيّد إلى السلطة، وتقدير ما إذا كانت فعلياً راجعت نفسها واستشعرت تبدّد مكاسب الثورة التونسية، ومدى أهمية وجود طبقة سياسية تحاسب وفق آليات ديمقراطية. رهان غير مضمون، ولكن لا يمكن إلا التعويل عليه مرحلياً في ظل حالة التشتت التونسية.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".