16 نوفمبر 2024
الدولة التي تنتحر في مصر
وحدها عبارتُه عن كشوف العذرية لفتياتٍ مصرياتٍ اعتُقلن في ربيع 2011، إنها تمّت "لحماية الفتيات من الاغتصاب، ولتحمي الجنود من الاتهام بالاغتصاب"، تلْقاها في أرشيف عبد الفتاح سعيد السيسي، إبّان كان مديراً للمخابرات الحربية في الجيش المصري، وعضواً في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الحاكم بعد ثورة 25 يناير. لا يُسعفك البحثُ في سيرة الضابط الصموت، قبل تصعيدِه وزيراً للدفاع، بما يؤشّر إلى أي ملكاتٍ لديه، أو مواهب كان عليها، أو سجايا اتّصف بها، إلا إذا اعتبرناه أمرا عظيم الشأن ما قيل عنه مرّة، في تلك الغضون، إنه لم يدخّن في حياته أي سيجارة. ثم لمّا صار الذي صار، وقبل أن يهزم الأوراق الباطلة وحمدين صباحي (بالترتيب) في انتخابات الرئاسة إيّاها، كان الظن أن حملةً انتخابيةً يقوم بها ستُعرِّف به، غير أنه، بوصفه الرئيس الضرورة، لم يكن في حاجةٍ لطرح برنامجٍ انتخابي، ولا لإطلالاتٍ على الإعلام تروّجه، باستثناء مقابلةٍ تلفزيونية، قال فيها كلاماً ساكتاً، بحسب تسمية إخواننا السودانيين الكلام الفارغ. ولمّا صار رئيساً، اضطرّ أن يتكلّم، فبدوْنا أمام لونٍ من البشر فائض الرثاثة، وأقلّ فكاهةً من معمر القذافي، عندما يطلُبُ من كل مصريٍّ أن يُصبِّح على بلده بجنيه، وعندما يشكو أمام صحافي فرنسي عدم قدرته على توفير وظائف لمليونٍ ونصف مليون خرّيج جامعي كل عام، وعندما يُبلغ الناس أنه كان يتمنّى لو يُباع، وعندما يستقوي بتقطيب حاجبيْه، وهو يسوّغ إعطاءه جزيرتين مصريتين للسعودية، وعندما يطلُب من الأوروبيين أن ينظروا للمصريين بعيونٍ مصرية، وعندما لا تعثر أجهزتُه على غير موسى مصطفى موسى في انتخابات التجديد له.
مؤدّى كل هذا الأداء، معطوفاً على بناء سجنيْن في أول سنة لحكمه، وعلى حبس رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، هشام جنينة، وكثيرين غيره، وعلى موت أكثر من ثمانمائة مصري في الزنازين، وعلى إحالته جهاز "إصبع الكفتة" الذي اخترعه اللواء إبراهيم عبد العاطي، لمداواة الإيدز والكبد الوبائي، إلى "الهيئة الطبية في القوات المسلحة" لتقييمه، وعلى تفاهةٍ لا قاع لها تقيمُ فيها شاشاتُ الإعلام المصري، مؤدّى ذلك كله، وكثيرٌ مثله لا عدّ له، أن وجود عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر، ودكتاتوراً مفضّلاً لترامب، صار يبعثُ على حزنٍ شديدٍ على مصر، في حالها الركيك الذي نرى، وكان ظنُّ بعضِهم إن تخليصَها من حكم الإخوان المسلمين سينعطفُ بها إلى تقدّمٍ سنلهث ونحن نقيس مسافاته، فيما أوجزت والدة الإيطالي، جوليو ريجيني، القصة، لمّا قالت إنهم، في القاهرة، عذّبوا ابنها، كما لو كان مصرياً.
بعد ما سبق، وأرطالٍ مثلِه، وصلنا إلى ما يحدث حاليا، لمّا بدأ المقاول الممثل، محمد علي، بثّ فيديوهاته، ليعبُر بمصر إلى طوْرٍ جديدٍ من انتحار الدولة فيها، من فرط ما يُعْمله فيها نظام الانقلاب، والذي يموت في محاكمِه محمد مرسي، ويُحبَس في زنازينه المصري إسماعيل اسكندراني والفلسطيني رامي شعث وآلافٌ أمثالُهما، وينعُم حسني مبارك وحبيب العادلي بدفءٍ غزير. ذهبت كاميرا هاتف محمد علي إلى دولة الفساد العظيم، المسلّح بأمثولة الجيش وموقعِه شبه المقدّس في الدولة والمجتمع. قال عن ثراءٍ فاحشٍ لجنرالاتٍ في هذا الجيش، عن افتراس المؤسّسة التي يقيمون فيها الدولة. قال أرقاماً عن فِللٍ وفنادق وقصور واستراحاتٍ ومنشآت، عن ملياراتٍ يتقرّر صرُفها بمكالماتٍ هاتفيةٍ أو قراراتٍ فوقية. أتى على مباذل نهبٍ واستغلالٍ يرتكبها السيسي وزوجتُه ورفاقُه. والأهم أنه ساق ما ساقَه بلغةٍ لم تخلع على هؤلاء غير أنهم سارقون. والأكثر أهميةً أن الرواج المهول لفيديوهات الممثل بين المصريين أبانت عن أشواقهم الشاسعة لسماع من يحطّ الرئيس وعائلته في منزلةٍ رثّة. واستطابةُ المصريين ذلك مما يسمعونه من محمد علي هو الحدث الكبير في المشهد الذي شارك فيه السيسي بمقطعٍ بالغ الركاكة، لمّا لم ينفِ، في مؤتمر مرتجل، شيئاً مما "ادّعاه" محمد علي، ولمّا لم يستطع أن يُكمل نص حديثٍ نبويٍّ ظنّ أنه يحفظه. لقد بدا، في بؤس أدائه وكلامِه، أنه يُشهر انتحار الدولة في مصر، دولة الانقلاب التي يرجّها شابٌ، يدخّن وهو يحكي، وينصتُ له عشرات الملايين، يلعنون زمناً صار فيه عليهم رئيسٌ دسّ أنفه مرّة في عذرية فتياتٍ منهم محتجزات، والآن يطلبُ منهم أن يحتملوا ضرراً من سد النهضة الأثيوبي. وفي الأثناء، تنذبحُ الدولة في عهده وتنتحر.
بعد ما سبق، وأرطالٍ مثلِه، وصلنا إلى ما يحدث حاليا، لمّا بدأ المقاول الممثل، محمد علي، بثّ فيديوهاته، ليعبُر بمصر إلى طوْرٍ جديدٍ من انتحار الدولة فيها، من فرط ما يُعْمله فيها نظام الانقلاب، والذي يموت في محاكمِه محمد مرسي، ويُحبَس في زنازينه المصري إسماعيل اسكندراني والفلسطيني رامي شعث وآلافٌ أمثالُهما، وينعُم حسني مبارك وحبيب العادلي بدفءٍ غزير. ذهبت كاميرا هاتف محمد علي إلى دولة الفساد العظيم، المسلّح بأمثولة الجيش وموقعِه شبه المقدّس في الدولة والمجتمع. قال عن ثراءٍ فاحشٍ لجنرالاتٍ في هذا الجيش، عن افتراس المؤسّسة التي يقيمون فيها الدولة. قال أرقاماً عن فِللٍ وفنادق وقصور واستراحاتٍ ومنشآت، عن ملياراتٍ يتقرّر صرُفها بمكالماتٍ هاتفيةٍ أو قراراتٍ فوقية. أتى على مباذل نهبٍ واستغلالٍ يرتكبها السيسي وزوجتُه ورفاقُه. والأهم أنه ساق ما ساقَه بلغةٍ لم تخلع على هؤلاء غير أنهم سارقون. والأكثر أهميةً أن الرواج المهول لفيديوهات الممثل بين المصريين أبانت عن أشواقهم الشاسعة لسماع من يحطّ الرئيس وعائلته في منزلةٍ رثّة. واستطابةُ المصريين ذلك مما يسمعونه من محمد علي هو الحدث الكبير في المشهد الذي شارك فيه السيسي بمقطعٍ بالغ الركاكة، لمّا لم ينفِ، في مؤتمر مرتجل، شيئاً مما "ادّعاه" محمد علي، ولمّا لم يستطع أن يُكمل نص حديثٍ نبويٍّ ظنّ أنه يحفظه. لقد بدا، في بؤس أدائه وكلامِه، أنه يُشهر انتحار الدولة في مصر، دولة الانقلاب التي يرجّها شابٌ، يدخّن وهو يحكي، وينصتُ له عشرات الملايين، يلعنون زمناً صار فيه عليهم رئيسٌ دسّ أنفه مرّة في عذرية فتياتٍ منهم محتجزات، والآن يطلبُ منهم أن يحتملوا ضرراً من سد النهضة الأثيوبي. وفي الأثناء، تنذبحُ الدولة في عهده وتنتحر.