الدوحة .. ورشة لا تتثاءب

19 نوفمبر 2021

مشهد من كورنيش الدوحة (العربي الجديد)

+ الخط -

لا تتعب العاصمة القطرية، الدوحة، ولا تتثاقل من كثرة ما يدور في أرجائها من مشاريع وفعاليات وأحداث سياسية وثقافية ورياضية وفنية وإنسانية، محلية وعالمية. كأن المدينة الفتية تجري في سباقٍ بلا خط نهاية. ما إن تنتهي فعالية هنا حتى تنطلق أخرى هناك. وما إن يُقصّ شريط افتتاح مشروع، حتى يُوضع الحجر الأساس لمشروع آخر في مدينةٍ بدأت العد التنازلي لانطلاق منافسات كأس العالم 2022. يتمنّى المرء لو كان يوم الدوحة أطول من 24 ساعة، أو لو كانت أيام أسبوعها سبعين لا سبعة، لعلّه يلحق بالأكثر من الفعاليات التي تزخر بها أرجاء المدينة ومراكزها ومؤسساتها الفنية والأكاديمية والرياضية والاجتماعية، ومنتدياتها الفكرية والسياسية والثقافية.
أسدلت المدينة مطلع الأسبوع الفائت ستارة النسخة التاسعة من مهرجان "أجيال" السينمائي، وهو من تنظيم مؤسسة الدوحة للأفلام. وبعد أيام قليلة، ترفع المدينة ستار انطلاق أولى مباريات بطولة كأس العرب 2021 لكرة القدم. وما بينهما تحتضن "حلبة لوسيل" جولة عالمية لسباق سيارات "فورميلا 1". لا تستريح المدينة ما بين حدث طويت صفحاته وآخر تجري فصوله، لا وقت للراحة أو لأخذ نفَس قصير، تتابع الاستعدادات للحدث الأكبر، كأس العالم القادم إلى ربوعها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، برفع أعلام الدول المتأهلة للمونديال على الكورنيش مع تزيينه بـ 1440 عمود إنارة صُمّمت على شكل سعف النخيل.
لا تكتفي الدوحة بإنجاز ثمانية ملاعب بمواصفات عالمية استثنائية لاستقبال العالم وكأسه، ولا تقبل إلا بالأفضل والأحدث في إنجاز مشاريع بنية تحتية عملاقة، بل تستعد الدوحة لاستقبال العالم في نوفمبر 2022 بأجواء استثنائية تتحوّل فيها البلاد إلى متحف فني مفتوح، يعرض نحو مائة عمل عالمي من أعمال الفن العام في مختلف الأماكن العامة، بما في ذلك الحدائق، ومناطق التسوق، والمرافق التعليمية والرياضية، ومطار حمد الدولي، ومحطّات المترو، فضلاً عن الملاعب التي تستضيف مباريات كأس العالم. وكما تُشرع المدينة ميادينها وساحاتها لكبار الفنانين العالميين، تفتح جدرانها للمشاركين في برنامج "جداري آرت"، لتحويل جدران المدينة إلى جدارياتٍ فنيةٍ مبدعة، بهدف إثراء الحياة اليومية وتشجيع المجتمع على التفكير في القضايا الاجتماعية والتاريخية والثقافية.
انشغالات الدوحة، وإن كانت تجري محلياً، فإنها تشعّ عربياً وعالمياً، وقد تجلى ذلك حرفياً خلال فعاليات مهرجان "أجيال" السينمائي، التي قُدّمت تحت شعار "يلا نبدا"، وعُرض خلالها 85 فيلماً من 44 دولة (31 فيلماً طويلاً و54 فيلماً قصيراً) لمخرجين صاعدين ومرموقين، إلى جانب جلسات حوارية ثقافية، وعروض موسيقية، ومعارض فنية تميز من بينها المعرض الفنيّ "لن نرحل"، وهو يضيء على النضال اليومي للشعب الفلسطيني، بحضور عدد من الرموز السينمائية الفلسطينية (فرح نابلسي، مخرجة فيلم "الهدية" الذي وصل إلى القائمة القصيرة في جوائز أوسكار، وعبدالله الخطيب، مخرج فيلم "فلسطين الصغرى")، ومشاركة الناشطة الفلسطينية منى الكرد، التي استلهم معرضُ "لن نرحل" فكرتَه من نضال عائلتها وجيرانها من سكان حيّ الشيخ جرّاح المقدسي.
عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي لعام 2021، لا تتثاءب، تفتح ميادين الرياضة والثقافة والسينما والفنون للمبدعين الشباب وتطلق مبادراتٍ ومسابقاتٍ لإنتاج أفلام قصيرة تعالج قضايا البيئة، وأخرى تعرض الذخائر الثقافية والتراثية، وغيرها مما يلقي الضوء على قضايا إنسانية كونية. بمثل هذه المبادرات تحتفي المدينة بمواهب الشباب وتشقّ دروباً جديدة لمساهمة الفنون المرئية والمسموعة في التنمية العالمية المستدامة.
بهذه الروح والهمّة، تستضيف قطر كأس العرب 2021، وتستقبل "فورميلا 1" العالمية، وتستعد لاحتضان كأس العالم 2022، ولأنها كذلك استحقّت الدوحة جدارة الانضمام إلى شبكة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) للمدن العالمية المبدعة، والالتحاق بـ 246 مدينة عالمية تتميز بالإبداع في سبعة مجالات: الحرف، والفنون الشعبية والتصميم، والفيلم، وفن الطبخ، والأدب، والفنون الإعلامية، والموسيقى. و"تحرص على جعل الثقافة ركيزةً من ركائز استراتيجياتها، وليست مجرّد عنصر ثانوي فيها"، بتعبير المديرة العامة ليونسكو، أودري أزولاي.

AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.