الخليج العربي ... صراع ضد العزلة

27 فبراير 2023
+ الخط -

أهمية كتاب البحريني حسن مدن "حداثة ظهرها إلى الجدار.. قراءات في التحولات الثقافية في مجتمعات الخليج والجزيرة العربية" (دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع، بغداد، 2021) في أنه يقدّم الذاكرة الثقافية والسياسية في دول الخليج تحت إطار فكري، هو التنويري طه حسين، الذي انطلقت من خلاله فكرة الكتاب التي جاءت إلى ذهن الكاتب في أثناء مشاركته، كما يوضح في المقدّمة، في منتدى يتعلق بذكرى ميلاد صاحب "الأيام"، بورقة عنوانها "طه حسين وجزيرة العرب". لذلك، تحاول المقدّمة الضافية التي صدر بها الكتاب أن تبلور مفهوم النهضة بصورته العامة، حيث يقدّم الكاتب مفهوماً بديلاً أو مزاوجاً له، وهو "الحداثة"، الذي أنشأ عليه كتابه. 
يرى حسن مدن أن الحداثة في بلدان الخليج العربي برّانية عُمرانية ينقصها الجوهر، وهي بذلك ظهرها إلى الجدار بالمعنى الواضح من عُمران وإنشاءات، وهي إنجازاتٌ يقرّ الكاتب بأهميتها وببراعتها، مستحضراً، في سبيل توثيق هذه التيمة، مرجعياتٍ، من أبرزها خماسية عبد الرحمن منيف "مدن الملح". وهذه الحداثة البرّانية التي يراها الكاتب مهمّة في إطارها العمراني تنقصها حداثة جوهرية تتمثل بوجود مؤسسات مجتمع مدني تنظم الحياة ثقافياً وسياسياً واجتماعياً. وعلى الرغم من ذلك، شهد هذا الأمر انعطافات واجتهادات كثيرة عقوداً، ولكنه مُني بهزّات واصطدامات، خصوصاً مع التيارات المحافظة، وكذلك الاستعمار الإنكليزي الجاثم على مفاصل الحياة في الخليج العربي من عام 1820 إلى 1972. وقد سعت بريطانيا، خلال تلك الفترة، لأن "يبقى كل شيء على ما هو عليه"، من دون تسهيل لدوران الحركة الطبيعية للتاريخ. بل يورد الكاتب أمثلة عديدة على وقوف بريطانيا ضد أي محاولة للتطوير في النظم الاجتماعية لمجتمعات الخليج. 
من أجمل فصول الكتاب وأثراها، الثالث، وعنوانه "الهند نافذة الخليج الثقافية الأولى على الآخر". فحسب الكاتب، حين كانت النخبة العربية تسافر أو تحلم بالسفر إلى أوروبا الغربية، لم تجد النخبة الخليجية في الأدب والفن والصحافة إلا الهند فضاءً للتغير والسفر والإقامة، بعد المضايقات الكثيرة من المستعمر الإنكليزي والقوى المحافظة التي ترفض أي لونٍ من ألوان التغير، ومنها الموسيقى، حيث عاش في الهند -مثلاً- الفنان العُماني سالم راشد الصور، والفنانان الكويتيان عبد الله الفرج وخالد الفرج، إلى جانب إعلاميين ومعلمين، يوردهم الكاتب واحداً واحداً، أسّسوا في الهند بيئة ثقافية بديلة، أمثال عبد الرحمن المدفع وأحمد بن سلطان بن سليم وإبراهيم العريض وعبد الله الزائد ومحمد صالح الموسوي وجواد جعفر الخابوي وعبد الله الطائي ومحمد أمين البستي وسليمان الدخيل وأبراهيم القاضي ومحمد طاهر الدباغ. وقد أسهموا في تأسيس جوّ عربيّ في الهند، بمعونة بعض التجار العرب. 
يُفرد الكاتب كذلك في كتابه الفكري التاريخي تدرّجات ظهور الصحافة في بعض مناطق الخليج وانتقال بعض روّادها من بلد خليجي إلى آخر، من أجل تأسيس جانبٍ ثقافي فيه، كما حدث مثلاً مع العُماني عبد الله الطائي الذي كان ينتقل، بعد عودته من الهند، بين البحرين والكويت ثم عُمان، قبل أن يستقر في الإمارات. ويأتي الكتاب على مساهمة العرب، وخصوصاً الفلسطينيين، في تأسيس مدارس وقنوات إعلامية، فنجد مثلاً هذه الفقرة المتعلقة بتأسيس أول مدرسة للبنات في دبي "وعرفت دبي كذلك تأسيس أول مدرسة للبنات، هي مدرسة خولة بنت الأزور التي افتتحت في العام الدراسي 1958 ــ 1959، تولت التعليم فيها مدرّساتٌ عربياتٌ بينهنّ الفلسطينية مليحة أبو شعبان، ناظرة المدرسة، ومن فلسطين أيضاً كانت نعمة جرور وليلى عاشور وجليلة قدورة ونهاد شحاتة وسعاد أبو شاربين".

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي