الحرب السرية والمعلنة
تصاعدت خلال الأسابيع الماضية، ومع تعثر المفاوضات النووية الإيرانية، الهجمات الإسرائيلية التي تستهدف إيران، سواء في داخل البلاد أو في سورية. ومع أن هذه الهجمات لم تتوقف خلال السنوات الماضية، إلا أن تسارع وتيرتها في الأيام الماضية، وكم الاغتيالات التي حدثت، يكشفان عن اختراق واسع من الموساد للداخل الإيراني، وعجز طهران عن مواجهة هذا الاختراق أو الردّ عليه بالمثل. حتى أن الهجوم الصاروخي على أربيل الذي تبنّته إيران ضمناً، وقيل إنه استهدف قاعدة استخبارية إسرائيلية، لم يثبُت أن هذا الهدف حقيقي، خصوصاً مع إعلان السلطات المحلية هناك أن القصف استهدف مناطق مدنية ولم يصب أي قاعدة عسكرية.
هذا العجز عبّر عنه القائد العام السابق للحرس الثوري الإيراني، اللواء محمد علي جعفري، الذي حاول إظهار أن بلاده لا تقف مكتوفة الأيدي وتستسلم لتلقي الضربات الإسرائيلية، إذ أكد أنها "وجهت ضربات سرية لإسرائيل، وهي مستمرة في ذلك ولا يمكن الكشف عنها (الضربات)". مثل هذا التصريح لا يشبه السياسة الإيرانية التي لا تتوانى عن تبني أي عمل عسكري يأتي رداً على الاعتداءات الكثيرة التي تعرضت إليها طهران في أكثر من سياق، بل يشير إلى أن هناك عدم قدرة، وربما عدم رغبة إيرانية، في الدخول بعمل عسكري لا تحمد عواقبه، خصوصاً في ظل الأوضاع التي تعيشها البلاد. هذا ما اتضح في الرد الإيراني الذي أعقب اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، إذا جاء أقل بكثير من حجم الضربة التي تعرضت إليها طهران باغتيال سليماني، واقتصر على رشقات صاروخية استهدفت قواعد أميركية في شمال العراق، ولم يتضح حجم الخسائر التي أوقعتها، باستثناء إصابة أحد الصواريخ للطائرة المدنية الأوكرانية وإسقاطها ومقتل الركاب الـ 176 الذين كانوا فيها، وغالبيتهم من الإيرانيين.
في مقابل هذه "الحرب السرية" الإيرانية، نجد أن إسرائيل تشن حرباً علنية، وضد أهداف واضحة، ولا تتوانى عن تبنّيها، سواء بشكل رسمي أو عبر وسائلها الإعلامية. وتداعيات هذه الهجمات أيضاً لا تقل وضوحاً، سواء سياسياً أو عملياً على الأرض. ولعل آخر هذه التداعيات كان تعطيل الملاحة في مطار دمشق الدولي لأكثر من 48 ساعة، بعد الغارات الإسرائيلية التي استهدفت شحنات أسلحة إيرانية. أما سياسياً، فمن الواضح أن هذه العمليات الإسرائيلية تتم بضوء أخضر أميركي بعد تعطل مفاوضات فيينا، وعدم الاتفاق على إحياء الاتفاق النووي الإيراني. ورغم أن الضربات الإسرائيلية كانت تتم أثناء المفاوضات، إلا أنها لم تكن تحظى بالرضى الأميركي، وهو ما حاولت واشنطن مراراً إيصاله لإسرائيل، إلا أن الوتيرة المتسارعة اليوم تكشف الرضى والتنسيق الأميركي لهذه الهجمات. أيضاً لا يمكن إغفال الدور الروسي في هذه العمليات، وهو من المفترض أنه واضح لصنّاع القرار في طهران ولحلفائهم الموجودين على الأرض في سورية. فإسرائيل غالباً ما تؤكد أن الضربات التي تشنها داخل الأراضي السورية ضد أهداف إيرانية تجري بالتنسيق مع القوات الروسية في سورية، غير أنه من المؤكد أن الأمر أكثر من مجرد تنسيق، وأنّ تعاوناً استخبارياً روسياً يساعد في تحديد ماهية الأهداف وأماكنها، وهذا الأمر ليس مرتبطاً بشحنات الأسلحة أو مخازنها فحسب، بل حتى بالاغتيالات الكثيرة التي حصلت في الداخل السوري واستهدفت قياديين في مليشيات تابعة للنظام الإيراني.
هذه الحرب المعلنة من جانب إسرائيل و"السرية" من جانب إيران بدأت تأخذ أبعاداً أكثر خطورة، مع نواة التحالفات التي تنسجها تل أبيب، ولا سيما في الخليج برعاية أميركية، وتوسيع رقعة الأهداف، ما ينذر بأن هذه الحرب قد تأخذ منحى تصاعدياً في وقت قريب.