الجيش العراقي... عائد؟

24 اغسطس 2024
+ الخط -

ما الذي حصل فجر الخميس الماضي في العراق؟ هل هو اشتباك "عابر" بين الجيش العراقي وإحدى فصائل هيئة الحشد الشعبي على أحقية الشرعية والنفوذ في أرضٍ عراقيةٍ، أم أنّ لحظة غضب طغت على أفراد، صودف أنّهم جنود عراقيون وعناصر من الحشد الشعبي، على حاجزٍ في ضواحي مدينة كربلاء؟

في الحالتين، ينتقل العراق إلى مرحلة أمنية ثالثة بعد الغزو الأميركي له في عام 2003. وإذا كانت المرحلة الأولى تمحورت حول الغزو نفسه، طوال العقد الأول من القرن الحالي، فإنّ المرحلة الثانية تماهت مع صراع الهُويّات المناطقية والطوائفية في العراق، بما أفضى إلى نشوء معسكرات مُتطرّفة مذهبياً وطائفياً. غير أنّ المرحلة الثالثة، والتي لاحت إرهاصاتها الأمنية الأولى فجر الخميس الماضي، أظهرت أنّ في العراق صراعاً مولوداً منذ ثورة أكتوبر (2019) في بغداد، الرافضة للشعارات المُتطرّفة أولاً، وللفساد المستشري بصورةٍ غير معقولة في البلاد ثانياً، ولتحكّم كلّ من هو خارج الشرعية بقرار الشرعية ثالثاً.

في المقابل، على مدار السنوات العشر الماضية، كُرّس تراجع دور الجيش العراقي في عام 2014 بتراجع وحداته من الموصل بما سمح بتمدّد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إلى الحدّ الذي أمسك فيه الحشد الشعبي بالأرض. وبما أنّه "من يمسك الأرض يمسك القرار"، تحوّل الحشد الشعبي إلى المباني الرسمية في المنطقة الخضراء في بغداد، سامحاً بنموّ نفوذ الآتين من خارج الشرعية الأمنية تحت حُجّة "الضرورات تبيح المحظورات". مع ذلك، وجد الجيش العراقي ثغرةً صغيرةً سمحت له بالعمل ببطء، لكن بثبات، عبر ضرب ما تبقّى من تنظيم داعش في مناطق عراقية صعبة جغرافياً ومناخياً، وأيضاً عبر استمرار تعاونه ومناوراته مع التحالف الدولي.

بالتالي، فإنّ البناء المتواصل لمؤسّسة الجيش العراقي، في ظلّ تراجع المخاطر المُشترَكة، التي واجهها بالتحالف مع الحشد الشعبي طوال العقد الماضي، ستُفضي، بطبيعة الحال، إلى صدام بين الطرفَين مُستقبلاً. ليس في الأمر رؤية أو نبوءة، بل حتمية طبيعية، حصلت في الغزو الروسي لأوكرانيا، حين تصادم الجيش الروسي مع مجموعة فاغنر، وأيضاً حين تقاتلت أخيراً قوّات العشائر العربية مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في سورية، والطرفان كانا جزءاً أساسياً في محاربة "داعش". ويعني ذلك أنّ تعدّدية القوى العسكرية على أرض مُشترَكة ستؤدّي إلى صدامات، ما لم يكن لفريق واحد الأولوية على الجميع. ونادراً ما حصل عبر التاريخ أن تمكّنت فصائل ذات قضية مشتركة من المحافظة على وحدتها، لاعتبارات شخصية بالدرجة الأولى، ثم بفعل تمايز الرؤى.

لذلك، سيصبح الجيش العراقي، العائد عملياً بعد 21 عاماً من حلّه على يد الأميركيين بالذات إلى التشاركية في صياغة القرار الأمني، أمام تحدّيات أكبر من أجل إبعاده عن الحشد الشعبي. أول تلك التحدّيات سيكون سياسياً، بدءاً ممّا تنوي الفصائل العراقية فعله في مواجهة قوّات التحالف الدولي، الباقية في بغداد حتّى إشعار آخر. أمّا ثاني تلك التحدّيات، فمرتبط بالقرار السياسي لدى الحكومة وما إذا كان في وسع رئيسها محمد شيّاع السوداني الفصل بين دوره قائداً أعلى للقوات المسلّحة وبين ضغوط "الإطار التنسيقي"، الجناح السياسي للحشد الشعبي. مع العلم أنّه يُفترَض مبدئياً إجراء الانتخابات التشريعية العراقية في موعد لم يتم تحديده بعد من العام المُقبل، وهو ما سيُلقي بالمزيد من الأعباء على عاتق السوداني. يبقى ثالث التحدّيات بالنسبة للجيش العراقي، وهو المرتبط بالإمساك بالجهة العراقية من الحدود مع سورية، أولوية مطلقة، ومع الأردن بدرجة أقلّ. وهو ملفّ سيكسب فيه الجيش العراقي المزيد من الخصوم، مع كلّ برج يتم تشييده.

أمام تلك التحديات، من الصعب التفكير في أنّ مشهد الصدام بين الجيش العراقي والحشد الشعبي في ضواحي كربلاء، الخميس الماضي، كان مُجرَّد حدثٍ عابر، بل محطّةً فاصلةً في السيطرة على القرار الأمني في بغداد.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".