الجرائم الإلكترونية وقانونها
لعلّ قانون الجرائم الإلكترونية هو القانون الأكثر إشكالية وإثارة للجدل في الأردن، وقد قدّمته الحكومة بصفة الاستعجال إلى مجلس النواب الذي أقرّه بالأغلبية رغم المعارضة الشديدة شعبياً، وسيصبح نافذاً إذا مرّره مجلس الأعيان وصدرت المصادقة الملكية عليه ونشر في الجريدة الرسمية، وبذلك سيكون قد عبر القنوات الدستورية المتبعة في البلاد، وأصبح واقعاً لا مناص من الامتثال لنصوصه الملتبسة الفضفاضة بحسب مختصّين. وقد ثارت بشأنه زوبعة هائلة من الجدل لم تهدأ في الشارع الأردني وفي مواقع التواصل الاجتماعي، نظراً إلى تأثيره المباشر في مختلف مجالات الحياة، سواء على مستوى سياسي أو اجتماعي أو حقوقي.
استمعنا إلى كلمات النواب في جلسة علنية، عرض المؤيدون والمعارضون مواقفهم من نصوص القانون، منهم من دانه بشدّة، معتبراً إقراره تكميماً للأفواه وانتكاسة كبرى على صعيد الحرّيات العامة وعلى حق التعبير خصوصاً، وأنه، باستثناء تغليظ العقوبات، من حيث قيم الغرامات المالية، والجمع، في بعض الحالات، بين عقوبات الغرامة باهظة القيمة وعقوبة الحبس، فإن القانون مثار الجدل لم يأتِ بجديد. ومن النواب من دافعوا باستماتة عن مشروع القانون باعتباره ضرورة تشريعية. ورغم تعديلات أجراها مجلس النواب على بعض النصوص، فإنّها لم تُخفّف حالة الغضب والاستياء في صفوف النشطاء الذين اعتبروا القانون صادماً ومجحفاً.
وفيما قالت مصادر حكومية إنّ مشروع القانون يهدف إلى إيجاد بيئة رقمية آمنة تحمي الأفراد من انتهاك الخصوصية، وتحدّ من اغتيال الشخصية، يعتبر قانونيون وناشطون أن نصوصه صُمّمت لحماية المسؤولين من الانتقاد والمساءلة، فيما وجده بعضهم مخالفاً للمادة الـ 128 من الدستور الأردني، إذ "لا يجوز أن تؤثّر القوانين التي تصدُر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمسّ أساسياتها". وذهب النائب صالح العرموطي إلى أن القانون ينطوي على توسّع في تجريم الأفعال في النشر الإلكتروني، من دون تمييز النشر في وسائل الإعلام عن منصّات التواصل الاجتماعي، وطالب زملاءه في المجلس برد القانون حماية لحق المواطن الأردني في التعبير.
مع تأكيد نقاط المعارضين للنصوص التي تعتدي بشكل جليٍّ على حرية التعبير، وللموضوعية، لا بدّ من الإقرار بأنّ كثيرين من روّاد مواقع التواصل يرتكبون المخالفات الجسيمة التي تصل إلى الافتراء والشتم والقدح والذم والتطاول والخوض في الأعراض من دون ضوابط أخلاقية، ما عرّض المعتدى عليهم للظلم من دون وجه حقّ، علينا الاعتراف بأنّ فئة كبيرة تمادت في غيها بنشر الإشاعات والافتراءات بحقّ أبرياء من دون أي حسّ بالمسؤولية. وهذه الفئة الضالّة المستهترة المختبئة خلف الشاشات هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن إيجاد مبرّر للتشدد الرسمي في هذا الشأن الذي راح ضحيّته مواطنون شرفاء معنيّون بالشأن العام، بعيداً عن الشخصنة ممن يدركون حجم المسؤولية وخطورة الكلمة.
لسنا مع مصادرة حقّ الفرد في التعبير والمشاركة في الحياة العامة، كذلك فإنّنا نتفق على قصور القانون وتجنّيه في حالات كثيرة، لكنّ ذلك لا يعني أنّ تختلط المفاهيم وتعمّ الفوضى، فيصنّف التطاول الشخصي حرية تعبير. ولكي لا تكون نظرتنا قاصرة عوراء، لا بد من الإقرار بمظاهر الخلل التي تعتري مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن. ومن هنا، لا بد من ضوابط ومعايير وميثاق شرف يتيح للأفراد التعبير عن آرائهم ومواقفهم بأسلوب حضاري، بعيداً عن الفجاجة والتجنّي والابتذال تحقيقاً للعدالة وضماناً للحماية المجتمعية.