التحولات الانتخابية التركية
"لا خلافات أبدية في السياسة"، هذه كانت قبل أيام إجابة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إمكان لقائه رئيس النظام السوري بشار الأسد، مشيراً إلى أنه من الممكن أن يفكر في لقائه بعد الانتخابات الرئاسية التركية في 2023. لكن يبدو أن التحوّلات التركية تسير بوتيرة أسرع لتصبّ في خدمة الانتخابات الرئاسية. وكالة رويترز كشفت خلال الساعات الماضية أن وساطةً تقودها روسيا لجمع أردوغان والأسد في لقاء مشترك، لكن المفاجأة أن النظام السوري هو من يتمنع عن عقد لقاء كهذا، وهو ما أكدته مصادر تركية للوكالة.
من الواضح أن النظام في سورية هو الذي ينتظر نتائج الانتخابات التركية المقبلة، وليس العكس، ويعوّل كلياً على خسارة أردوغان الانتخابات الرئاسية، وبالتالي من غير الوارد أن يقدّم له هدايا مجانية قبل الاستحقاق الرئاسي المرتقب، خصوصاً أن الرئيس التركي يعوّل على التقارب مع النظام السوري لتنفيذ وعده الانتخابي بإعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى بلادهم، تخفيفاًِ للاحتقان الداخلي التركي الذي أصبح ينفجر حملات واعتداءات عنصرية ضد كل ما هو سوري، أو حتى عربي.
غاية انتخابية أخرى يسعى إليها أردوغان من خلال التقارب مع النظام السوري، وهي إبعاد مقاتلي "وحدات حماية الشعب" الكردية عن الحدود، وهو ما يمهد له عبر التلويح بالعملية العسكرية البرية في شمال سورية، وما يظن أنه يمكن الحصول عليه في إطار التفاهم مع النظام السوري تحت عنوان إيجاد "مناطق آمنة" لإعادة اللاجئين، الأمر الذي سيوفر على أنقرة أخطار العملية العسكرية في سورية، ووقوع خسائر بشرية ممكن أن تفاقم النقمة الداخلية على السلطة الحاكمة. لكن أيضاً لا يبدو أن النظام السوري في وارد تلبية الرغبة التركية في هذا الظرف تحديداً.
ورغم التمنع السوري الحالي عن "المصالحة" مع النظام التركي، إلا أن لقاء الأسد وأردوغان قد لا يكون بعيداً، في ظل الضغط الروسي في هذا الاتجاه، ومع النفوذ الذي باتت تملكه موسكو في دمشق. ولروسيا أيضاً أهدافها في ما يخص جمع الطرفين، خصوصاً أنها حريصة على بقاء أردوغان في السلطة، إذ لا يزال هو الطرف "الأطلسي" الوحيد الذي لم ينضم إلى قائمة معاقبي روسيا، كما أنه لم يقطع العلاقة مع نظام بوتين، بل عمد إلى تدوير الزوايا في الحرب الروسية على أوكرانيا، رغم إدانته هذه الحرب. هذا الوضع قد لا يستمر في حال وصول أطراف معارضة إلى السلطة في تركيا، خصوصاً في ظل التوجهات الغربية التي يحملونها.
التحول المرتقب بين تركيا والنظام في سورية، رغم أنه الأكبر بالنظر إلى المواقف التي اتخذها أردوغان من بشار الأسد منذ بداية الثورة السورية، إلا أنه ليس الأول بالنسبة إلى الرئيس التركي، فقد سبقه تقارب مع السعودية والإمارات، بعدما انهارت العلاقة في أعقاب الموقف الذي اتخذه النظام في تركيا من الانقلاب في مصر، وبعد ذلك إثر اغتيال جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول. تقارب كهذا يحمل أيضاً طابعاً انتخابياً، خصوصاً مع التعويل التركي على الانفتاح الخليجي عموماً، والسعودية خصوصاً، على تركيا، وإنعاش اقتصادها المتدهور، والذي يعدّ من أزمات أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة. أيضاً هناك العمل القائم الآن على المصالحة مع مصر، والتي وصلت إلى درجة متقدمة جداً بعد لقاء أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال حفل افتتاح كأس العالم في قطر، وهو ما كان سبقه إغلاق لمحطات مصرية معارضة في إسطنبول وترحيل إعلاميين مصريين ومنعهم من العمل في تركيا، والآن تدور أنباء حول اعتقالات تطاول أعضاء في "الإخوان المسلمين" لأسباب متعددة.
صحيح أن "لا خلافات أبدية في السياسة"، لكن كيف يمكن لكل هذه التحولات أن تحصل من دون تغير أيّ من أسباب الخلافات؟