البدلة الجديدة
اهتدت حركة حماس وتابت وأنابت، وثابت إلى حضن راعي المقاومة المعلّم بشار الأسد، حقيقة وليس خيالا، وأقبل بعضهم يتساءلون: هل بيان "حماس" الصادر أخيرا "بيدي أف" منحول، أم "فوتوشوب" على الأصول، وقد دارت الأيام ومرت الأيام ما بين بعاد وخصام حتى وجدنا إيران تؤلّف القلوب بالمال مثل طلقاء فتح مكّة، والطلقاء شتيمة إيرانية، والسنّة في ملّة إيران واعتقادها هم أبناء الطلقاء. وقد ساق المؤلفة قلوبهم في غزة أعذاراً، منها قولهم إنها سياسة شرعية، وإنَّ الضرورات تبيح المحظورات والمقذورات والمنجوسات، وإنّ الشرع يبيح أكل لحم الميتة ولحم الخنزير عند الضرورة، وإن باتوا يأكلون لحم الخنزير مشويًا ومسلوقًا ومقدّدًا وحنيذًا، ويفترسون لحم السوري حيًا. الرئيس المصري يقول: تحيا مصر، الرئيس السوري يقول: حضن الوطن، "حماس" تقول: الأقصى.
يقول مناصرو "حماس" ومغرّدوها إننا لا نفهم السياسة، فإن كنّا لا نفهمها فنحن نعرف الدين، وما تفعلونه ليس من الدين بشيء. وقيل في التبريرات إنّ قادة الحركة دهاة ويلعبون بالبيضة السورية والحجر الإيراني، ويتّخذون البازي الإيراني لصيدهم، وهم أدهى من أن يتصيّدهم البازي فيما تصيّدا، وبرهان ذلك عندهم أنهم عندما يحجّون إلى طهران فإنهم يجاهرون بالرضى على الصحابة في عقر دار شاتمي الصحابة، وليس المجتبين منهم خاصةً، فيا لها من بطولة ونكاية وإغاثة لهفان ومعاونة إخوان! والمجتبون، يا معلم، لا يجاوزون الخمسة في عقيدة "الدزينة" المعصومة، وإنّ الصحافة الإيرانية المرئية والمسموعة لا تزوّر دعواتهم بالرضى على الصحابة كما فعلت مع محمد مرسي.
لا نطالبكم بالموت مثل الأنبياء والصدّيقين الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، اعملوا بعمل الساسة المحترفين الذين يعملون بالمعاريض؛ ليكن منكم فئة يشتمون إيران وفئة يحابونها، ليكن منكم سفيه، وما قلَّ سفهاء قوم إلا ذلوا، سفيه يقول علنا: إن كان لك عند الكلب حاجة قل له يا سيدي، إن لم تفقهوا الدين فافقهوا السيما. خذوا نجلاء فتحي مثلا في فيلم "مدافن مفروشة للإيجار"! قولوا إن نجلاء فتحي زلَّ لسانها، لكنهم ما شاء الله حولهم من أولي العزائم. هم أتقياء، لهم وجه واحد. يقول الباحثون لهم عن إبرة عذر في كومة قش الخطايا والرزايا إنهم محاصرون، والحصار يضطرّهم أن يضحّوا بالأخ في سبيل إنقاذ النفس، ومساجد سورية التي دمّرت بالآلاف ليست مثل المسجد الأقصى، وإيران تدفع لهم أموالًا من الخمس، وهو مالٌ سحتٌ، وتعلّمهم أيضا الكتاب والحكمة وصناعة الطائرات المسيّرة.
لكن السوريين محاصرون أيضًا، وهم بالآلاف ويستشهدون تحت التعذيب، ويقصفون من إيران ومن إسرائيل، وقد يسوّغ بعضهم ضرورات "حماس"، لكن من غير نفاق وانبطاح. الخلاصة أنّ المحنة حولت "حماس" إلى حركة وطنية داخلية، لينتزع كل واحد شوكه بيده.
لقصة الكفيف والكسيح عبر وعظات، لكن قصة سيد الحليوة لمحمود السعدني أعبر وأوعظ وأولى، وتروي مأساة صبي أوتي شطرًا من الحُسن، شهم، ثأر من قاتل أبيه فقتله، فزجّه في السجن، فوجد ذئاب السجن أضرى من الذئاب خارجها، وطمع به مجرمون كثيرون لحُسنه، لولا أن رفق به العم عبده الأبيض، الطيب، الكريم، الذي أواه في زنزانته، وصانه من المعتدين، وكساه أحسن الكسوة، وأطعمه حتى تورّد خدّاه ونضر جلده، ثم طلب منه أن يرقى إلى غرفة تاجر الحشيش المعلم خضير، فرحّب به وأمره أن يقلع ثيابه حتى يجرب البدلة الحريرية الجديدة، فصعق الولد، وقال: أنا مش بتاع الحاجات دي، يا معلم، أنا دخلت السجن علشان الشرف، فعاقبه خضير بالطرد من زنزانته الفاخرة. صبر الولد كثيرا في زنزانته، لكنه انهار عندما سمع أنَّ أمه هربت مع عشيقها، فعاد إلى المعلم خضير بطل محور الحشيش في السجن، وقال: أنا تحت أمرك يا معلم.
المقاومة والسعي لتحرير القدس من مصادر الشرعية السياسية الكبرى، وإيران وسورية والجزائر وتونس تدرك ذلك فهي تتردّد في خطب رؤسائها من أجل التطريب، و"حماس" محاصرة، ووجهها حسنٌ عند العرب، وقدّها كذلك، ونرجو لها العزّة في بدلتها القديمة، وقد ألفت إيران قلوب قادتها فرأت أنّ طريقها إلى القدس مثل طريق حزب الله يمرُّ على قبور السوريين من دمشق وحلب.