البحرين شأناً حقوقياً
كأن شأن حقوق الإنسان في البحرين غدا موضوعا تقليديا لدى حكومات ومنظمات وهيئات غير قليلة في العالم، من فرط تكرار إصدارها بياناتٍ تؤشّر فيها إلى تجاوزات وانتهاكات في هذا البلد، عدا عن صحف أميركية وأوروبية تتناول الأمر باهتمام ظاهر. وذلك كله ما كان ليصير لولا أن ثمّة أزمة ماثلة في البحرين، من مظاهرها ما تأتي عليه تقارير دولية متواترة عن تعذيب في السجون، وتعسّف في الاعتقالات، وتاليا عن "فشل في اتخاذ تدابير ملموسة لمنع انتشار فيروس كوفيد 19 في السجون"، على ما أوردته، مثلا، رسالة تلقاها، أخيرا، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من منظمة "أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان"، لم تغفل عن إفراج السلطات البحرينية، قبل عام، عن 1486 معتقلا بسبب الجائحة، ومنحها نحو 900 سجين العفو، إلا أنها ذكرت إن 300 سجينا سياسيا من المُفرَج عنهم، وليس بينهم أسماء بارزة. وإلى ضرورة إجراء تحقيقات مستقلة ومحايدة في مزاعم سوء المعاملة والتعذيب، يُلفت النظر، من بين حزمةٍ مطالباتٍ تشدّد عليها الرسالة، "ضرورة التأكّد من أن السجون تلبي الحد الأدنى من معايير الصرف الصحي المطلوبة". وإلى وثيقتها هذه التي أرادت فيها تنبيه المجلس الأممي إلى "سوء المعاملة المستمر للسجناء السياسيين"، قدّمت المنظمة الأميركية للمجلس نفسه بيانا بشأن ما سمّتها "انتهاكاتٍ بيئية" ارتكبتها حكومة البحرين التي "فشلت في حماية البيئة بالشكل المناسب"، على ما يقول البيان الذي طالب بإسقاط التهم الموجّهة ضد نشطاء حقوقيين في مجال البيئة وإطلاق سراحهم فورا. ولعلها المرّة الأولى، في دراية صاحب هذه الكلمات، أن ناسا من هؤلاء يجري حبسهم، إلا إذا كان البيان المتحدّث عنه يتزيّد في مسألةٍ لم يستوثق منها تماما.
أما القرار الذي تبنّاه البرلمان الأوروبي، في 11 مارس/ آذار الجاري، بأغلبية 633 نائبا من أصل 689، فلا موضع لاحتمالٍ كهذا بخصوصه، فقد استوثق من كل ما اشتمل عليه، من قبيل استمرار التعذيب في البحرين ضد المعتقلين، واضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان. وهو القرار الذي طُرح مشروعُه قبل عام، وحثّ، في صيغته المعلنة، سلطات المملكة الخليجية على وقف تنفيذ أحكام إعدام، وعلى الإفراج الفوري غير المشروط عن سجناء رأي، منهم الشيخ علي سلمان وحسن مشيمع، وغيرهما ممن حُكموا لمجرد ممارستهم حرية التعبير. وقد استشعرت المنامة حرجا ظاهرا من القرار الأوروبي هذا، واعتبرته "تدخلا غير مقبول" في شؤونها الداخلية. وهذه لغةٌ معتادةٌ من حكوماتٍ عربيةٍ تنسب لنفسها الحق في أن تحبس من تشاء، وتحاكم من تشاء. وييسّر لها محقّقون وموظفون في المؤسستين، الأمنية والعدلية، ما تحتاجه من شواهد وقرائن تُركَّب على أساسها الأحكام والعقوبات.
تُرمى سلطات البحرين بهذا كله (وغيره)، وتتلقّى الخارجية الأميركية، قبل أسبوعين، رسالة مفتوحة موقعة من 15 منظمة عالمية وإقليمية وبحرينية معنية بحقوق الإنسان. وتعلن الخارجية الألمانية إنها تراقب بدقة ما تراه قصورا في أوضاع حقوق الإنسان هذه، وتُحادث المنامة بشأنها. وفيما يبدأ غدا في البلاد سباق جائزة البحرين الكبرى (الفورمولا 1)، تُخاطِب 20 منظمة حقوقية، دولية وإقليمية، الرئيس التنفيذي لهذه التظاهرة العالمية، ستيفاني دومينيكالي، تحذّره بشأن ما سمّته "استخدام" المنامة السباق للتغاضي عن "سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان، وفي ظل استمرار سياسة الحكومة ونهجها القمعي". واعتبرت تصريحا لمسؤول بارز في "الفورمولا 1" عن افتخاره بالشراكة مع البحرين في تنظيم السباق دعايةً مجانيةً للمنامة لتلميع صورتها، سيّما وأنه تزامن مع ما تضمّنه بيانٌ مشتركٌ لمنظماتٍ حقوقيةٍ دوليةٍ، بينها "هيومان رايتس ووتش" و"العفو الدولية"، عن "تدهور حقوق الإنسان" في البحرين.
أن تردّ سلطات البحرين بالكلام إياه على هذه التقارير المتواترة وأمثالها، أو أن تتجاهلها، ليس العلاج الذي يُنهي هذه السمعة السيئة الذائعة، وإنما مبادراتٌ شجاعةٌ باتجاه خريطة طريقٍ إلى إصلاح سياسي وحقوقي، يعرف أهل البحرين، ونخبتهم الوطنية والمثقفة، استحقاقاته ومطلوباته، وليس كاتب السطور أعلاه.