الانتخابات الفلسطينية وتعقيداتها

الانتخابات الفلسطينية وتعقيداتها

28 فبراير 2021
+ الخط -

لا يزال الحديث عن الانتخابات هو الطاغي فلسطينياً، رغم بدء تسلل الشكوك حول احتمال إجرائها، ولا سيما في ظل التوقعات بما يمكن أن تؤدي إليه من تداعيات داخلية، تحديداً على الساحة الفتحاوية، في ظل ما يبدو إصرار القيادي الأسير مروان البرغوثي على الترشّح للانتخابات الرئاسية ونيته الدخول بقائمة في انتخابات المجلس التشريعي. وعلى الرغم من كل الإجراءات التي تقوم بها السلطة، بقيادة محمود عباس، لضرب هذا التوجه، ومنها تفصيل قانون انتخابي على مقاس القوى الفاعلة في حركة فتح، إلا أنه لا يبدو أنها قادرة على إحباط الحالة الانقسامية في الحركة، بل هي تزيدها، وتؤدي كل يوم إلى انشقاقات جديدة فيها، ليصير الحديث عملياً وواضحاً عن ثلاثة أجنحة تتصارع على أصوات الناخبين التقليديين لـ"فتح"، وهو ما سينعكس بالضرورة على النتائج الانتخابية، سواء التشريعية أو الرئاسية.

قيادة السلطة باتت تدرك هذا الواقع، وهي تعمل جاهدة للحد من التداعيات المرتقبة، إن على شكل قوانين أو تحالفات، إلا أن الأمور تزداد تعقيداً. السلطة، بدءاً من قانون الانتخابات، حاولت استشراف ما قد تحمله الانتخابات من انعكاسات على المستوى التمثيلي لـ"فتح"، باعتبارها الحزب الحاكم. فالقانون الانتخابي الجديد، وعلى عكس ما كان عليه الأمر في الانتخابات السابقة، لم يعد يسمح بالترشح الفردي، وبالتالي يحصر المنافسة بين القوائم. وفي ظل التفاهم القائم اليوم بين حركتي فتح وحماس، والحديث عن الدخول في قوائم مشتركة، وخصوصاً في الضفة الغربية، فإن النتائج ستكون محسومة سلفاً بالنسبة إلى الثنائي الفلسطيني الحاكم في الضفة وغزة، إلا في حال دخول طرف قوي على الخط، هو الأمر الذي لم يكن محسوباً بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية. فنوايا مروان البرغوثي للدخول كطرف أساسي في الانتخابات، وخصوصاً التشريعية، ما كانت في بال قيادات السلطة الفلسطينية التي تحسبت لإمكان ترشحه للانتخابات الرئاسية وعمدت إلى تعديل إضافي في قانون الانتخابات لقطع الطريق عليه. فمن شروط الترشح الآن للرئاسة أن يكون المرشح منتمياً لكتلة في البرلمان وأن يحظى بموافقة نواب في المجلس التشريعي على هذا الترشح. الأمر الذي سيفرض على البرغوثي أن يطرح قائمة انتخابية موازية، في حال رفضت حركة فتح شرطه المشاركة في وضع أسماء المرشحين على قائمة الحركة في الانتخابات التشريعية، وهو الأمر المرجح.

وما يفاقم الوضع داخل "فتح" اليوم هو تصاعد أصوات من قلب الحركة رافضة ترشح محمود عباس إلى الرئاسة، ودعم البرغوثي في المقابل، ومن هؤلاء ناصر القدوة وحاتم عبد القادر، وهما القياديان التاريخيان في الحركة، ولا سيما في ظل ارتباط الأول بالزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (ابن شقيقته). الأمر قد يكون مجرد بداية، مع احتمال انضمام آخرين إلى صفوف الرافضين لترشح عباس والمؤيدين للبرغوثي، وهو ما سيعقّد الأمور داخل حركة "فتح".

هذا السيناريو، والذي بات أقرب إلى الواقع، سيحتم على السلطة وقيادتها التصرف بسرعة. وفي حال عجزت عن احتواء الوضع داخل "فتح"، سواء بالنسبة للانتخابات التشريعية أو الرئاسية، فإن التوجه سيكون إلى تأجيل الانتخابات أو إلغائها تحت أي ذريعة، وهو ما حصل سابقاً. وربما تقدّم دولة الاحتلال الإسرائيلي الذريعة الأنسب لمثل هذا التأجيل في حال أصرت على منع إجراء الانتخابات في القدس المحتلة، وهو الأمر المرجح، ولا سيما في ظل رؤيتها ما قد ينتج عنه فوز البرغوثي بالرئاسة ووضعه في الأسر.

لن يطول الأمر قبل أن تتوضح الصورة الانتخابية، خصوصاً مع ضيق الوقت الفاصل عن الانتخابات التشريعية. وقرار التأجيل قد لا يكون بعيداً.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".