الانتخابات العراقية وتكريس تهميش العرب السنّة
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.
ولا بالأحلام أن تجري الانتخابات في العراق على أساس غير طائفي، لكن من المهم بعد انحسار النفوذ الإيراني وثورة تشرين أن نشهد انتخاباتٍ أكثر إنصافا وأقل طائفية. ما حصل العكس، القوى الشيعية والكردية النافذة، من خلال علاقاتها بالمزوّرين، أميركان وإيرانيين، واستخدام مقدّرات الدولة، تمكّنت من سرقة المزيد من مقاعد العرب السنة في هذه الانتخابات. وبلغت الفجاجة أن تسرق منهم حي الأعظمية في بغداد، مرقد الإمام الأعظم أبو حنيفة، ويفوز بمقاعده شيعة. يعني كأن يفوز العرب بمقاعد أربيل أو السنة بمقاعد النجف.
قادة السنة العرب يبتلعون الهزيمة، ولا يريدون زيادة الطين بلةً من خلال إغضاب الإيراني أو الأميركي أو الكردي. وهم معنيون بتقليل الخسائر وتلبية متطلبات مجتمعاتهم التي أصبحت مشرّدة منكوبة في وطنها وخارجه. ما يحصل تزويرٌ لإرادة الناخبين السنة، وهذا يتكرّر في كل انتخابات. إيران تزوّر من خلال نفوذها على مؤسسات الدولة والمليشيات الشيعية المرتبطة بها. الأميركان يزوّرون من خلال نفوذهم على مؤسسات الدولة، وعلى القوى الكردية المرتبطة بها. فوق ذلك الجانب التقني في الانتخابات مربوط بالأميركان ومركزه الإمارات، والذي ترسل إليه النتائج بالأقمار الاصطناعية. وبين الإيرانيين على الأرض والأميركان في الفضاء تتقرّر إرادة الناخب العراقي.
بالنتيجة، بعد ذلك كله، يجتمع الأميركان والإيرانيون، ويقررون من يكون رجل المرحلة. يوما قرر زلماي خليل زاد أن يكون نوري المالكي، والذي لبّى النداء وقام بصولة الفرسان ضد مليشيات مقتدى الصدر. اليوم قد يقرّرون أن يكون الصدر رجل المرحلة ويرد الصولة على مليشيات المالكي. وتظل لعبة التحالفات محكومةً بالتوافق الأميركي الإيراني، بمعزل عن الأوزان الانتخابية.
صحيحٌ إن القوى الأكثر ارتباطا بإيران حقّقت أسوأ نتائج، مثل تراجع زعيم منظمة بدر هادي العامري من 53 مقعدا إلى 14، وعمّار الحكيم من 25 مقعدا إلى مقعدين، إلا أن ذلك لا يقلل من دورها كثيرا، فنفوذها على التيار الصدري كبير، على الرغم من عناد زعيمه أحيانا. وهي عندما صنعت المالكي كانت أقلّ نفوذا مما هي عليه اليوم، خصوصا أن التراجع الميداني لإيران في العراق توازى مع تراجعٍ أميركيٍّ في ظل الإدراة الديمقراطية التي تريد الابتعاد عن المنطقة واحترام النفوذ الإيراني. وهي قبلت على نفسها انسحابا مذلا من أفغانستان، ولا يسوؤها ترك العراق فخّارا يكسّر بعضه.
لا يمكن حل مشكلة العرب السنة بالداء الطائفي الذي لا يمكن أن يكون دواء. منطق المحاصصة يظل ظالما ولو حاباهم. الحل هو ببناء الدولة على أساس المواطنة. ساعتها لن يأسف العرب على مقاعد الأعظمية، لأن الشيعي أو الكردي أو المسيحي الذي يفوز هو ممثل للسنة بقدر ما هو ممثل لطائفته. لقد انتهى نظام المحاصصة الطائفي في لبنان إلى دولةٍ فاشلةٍ بامتياز، مع أن تطبيقه تم بعدالةٍ أكثر من العراق.
ينتهي العرب السنة عندما يتحوّلون طائفة تشكو التهميش، وينتهي معهم العراق. قضيتهم يجب أن تكون قضية العراق الذي يسير بسرعة باتجاه الهاوية اللبنانية، فكل النهب الذي تجاوز مئات المليارات باسم مظلومية المذهب لم يحقّق تنمية في الجنوب الذي تحوّل أرضا يبابا، لا يجد أبناؤه ماء للشرب ولا كهرباء، والنهابون لا يزالون يُمسكون مفاصل القوة في المجتمع والدولة، ولو تراجع بعضهم في صندوق الاقتراع، وهو لا يزال يدّخر صندوق الذخيرة.
على العرب السنة أن يمدّوا الجسور مع كل القوى القادرة على تجاوز منطق المحاصصة، وتفكّر بمنطق الدولة. وقد حصل هذا عندما حصلوا على الأكثرية في قائمة العراقية، بقيادة الشيعي إياد علاوي، لكن تحالف أميركا وإيران وقتها زوّر الأكثرية لصالح قائمة المالكي. اليوم ليس لدى العرب السنة ما يخسرونه، لكنهم يمتلكون حق الفيتو. إما أن تُبنى الدولة أو ننسحب من عملية تهديم الدولة لبناء الطائفة.
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.