الاتفاق السعودي الإيراني: حذر التطبيق
بعد مرور أكثر من شهر على الاتفاق السعودي الإيراني، والذي أُبرم برعاية صينية، يبدو أن تطبيق ما جرى التفاهم عليه يتم بخطواتٍ حذرةٍ نسبياً، تحديداً من الجانب السعودي الذي يستقرئ المواقف الدولية، وخصوصاً الأميركية، من التقارب المزمع مع طهران، والرسائل التي يمكن أن تصل إلى الرياض قبل المضي في تطبيق الاتفاق، وما يتفرّع عنه من ملفّات خاصة بقضايا المنطقة العربية، والتي يمكن اختصارها باليمن وسورية ولبنان والعراق.
ليست الرسائل الأميركية حول هذه الملفات واحدة، وهو ما اتضح من زيارة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه)، وليام بيرنز، إلى السعودية، والتي جرى فيها إبلاغ الرياض انزعاج واشنطن من ملفين، بحسب ما كشفت صحيفة وول ستريت جورنال. وقد تركّز الانزعاج الأميركي على التقارب بين الرياض وطهران بوساطة صينية، وانفتاح المملكة على العلاقات مع سورية. ونقلت الصحيفة عن "أشخاص مطلّعين" قولهم إن بيرنز أخبر ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أن الولايات المتحدة "شعرت بالصدمة من تقارب الرياض مع إيران وسورية، وهما دولتان لا تزالان تخضعان لعقوبات شديدة من الولايات المتحدة وأوروبا".
لم يشمل الاستياء الأميركي الملفّ اليمني، خصوصاً في ظل السعي الأميركي، منذ وصول الرئيس جو بايدن إلى الحكم، إلى إنهاء الحرب التي قاربت سنواتها العشر. وعلى هذا الأساس، جاء الحراك الرئيسي الناتج عن الاتفاق السعودي الإيراني على الساحة اليمنية. لكنه حراكٌ لا يزال حذراً أيضاً، رغم أيام المفاوضات التي شهدتها الرياض في الأيام الماضية بين القيادة السعودية ووفد من الحوثيين، فبعد هذه المفاوضات، والتي كانت مخصّصة لبحث في تمديد التهدئة والوصول إلى ملامح اتفاق لإنهاء الحرب، لم يظهر إلى العلن سوى الاتفاق على تبادل الأسرى. ورغم أن خطوةً كهذه مهمةٌ على صعيد الحرب اليمنية، إلا أنها لا تزال أدنى بكثير مما هو مأمول. وبحسب ما تسرّب من المفاوضات، لا تزال المرونة غائبة للوصول إلى الاتفاق، وهو ما يمكن تفسيره بأنه ترقّب إيراني للتطورات المرتبطة بالملفات الأخرى العالقة بين الرياض وطهران، وفي مقدّمتها استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والملف السوري وإعادته إلى الساحة العربية.
لا تزال النقطة الأولى الخاصة بعودة العلاقات الدبلوماسية، ورغم مرور شهر على الاتفاق، خاضعة "لإجراءات لوجستية"، أو على الأقلّ هذا ما هو معلن، عبر زياراتٍ متبادلةٍ لوفود سعودية وإيرانية تمهيداً لإعادة فتح السفارات. ورغم أن هذه الزيارات جرت قبل أكثر من أسبوع، إلا أن أي خطواتٍ عملية فعلية لم يجر اتخاذها بعد في هذا السياق.
أما في ما يتعلق بالملف السوري، ومع أن السعودية اتّخذت خطوات عملية في هذا المجال عبر استقبال وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، إلا أن خطوة عودة النظام لاحتلال مقعد سورية في جامعة الدول العربية لا تزال دونها شروط وخطوات كثيرة. فإضافة إلى معارضة خمس دول عربية هذه الخطوة، وهو ما تضعه الرياض أحد الأسباب التي تمنع العودة الكاملة لسورية الرسمية إلى الحضن العربي، إلا أن للسعودية أيضاً شروطها في ما يخصّ التطبيع مع نظام الأسد. وفي مقدمة هذه الشروط تأتي مشكلة مخدّر الكبتاغون، ودور النظام السوري في تصنيعه وتصديره عبر الحدود إلى السعودية، وهو ما تراه الرياض مشكلة داخلية أساسية اليوم في ضوء التحوّلات الاجتماعية المتسارعة التي تعيشها المملكة. ومثل هذا الملف خاضعٌ لمفاوضات قد تحدُث قريباً، وتؤدّي، في حال نجحت، إلى عودة سورية إلى جامعة الدول العربية وحضورها القمة المرتقبة في السعودية الشهر المقبل.
لا تزال انعكاسات الاتفاق الإيراني السعودي محدودة، فالحذر في التطبيق، نتيجة الاعتراضات الأميركية والأوروبية، يقف أمام الانفراجات التي كانت متوقّعة في أكثر من ملف خاص بالمنطقة.