الإنترنت والتواصل الاجتماعي في "المؤشّر العربي"
ليست المرّة الأولى التي يخصّص فيها "المؤشّر العربي"، في نسخته الثامنة، والتي أعلن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات نتائجها الأسبوع الماضي، استطلاعاتٍ للرأي العام العربي بشأن استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، فقد انتظم في هذا منذ الموشّر 2012 – 2013، غير أن الميزة الظاهرة في استطلاعات 2022 أنها أكثر اتّساعا وتنوّعا، فقد أحاطت بحزمةٍ وفيرةٍ من القضايا المتصلة بعلاقة المواطن العربي بمواقع التواصل، من قبيل مقادير ثقته بما يتلقاه منها من أخبار ومعلومات، وأولويات اهتماماته من هذه المواقع ومن الحسابات التي يُنشئها. والأهمية الخاصة لهذا الجهد الكبير، والبالغ الثراء، والكاشف في غير مسألة، لا تتعلق فقط بالجدّة البادية في مقاربة استقصاءٍ ميدانيٍّ المستجدّ الباهظ الحضور في حياة المواطن العربي، واسمُه مواقع التواصل الاجتماعي وحساباتُه، وإنما يتعلق أيضا بالسياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي الموصول بظاهرة اتّساع استخدام الإنترنت وحسابات التواصل الاجتماعي. ولا تزيّد أبداً في حسبان هذا الإنجاز العلمي، المبتكر وغير المسبوق، والذي يؤدّيه المؤشّر العربي في تبيان العلاقة المتنامية والمتسارعة باطّراد بين المواطن العربي وتكنولوجيات الإنترنت ووسائطه الرقمية، قيمةً استثنائية تحثّ أهل الدرس السوسيولوجي، بل والسياسي أيضا، والثقافي بداهةً، على قراءة نتائج استطلاع المؤشّر في هذا الشأن، والإفادة منها على غير صعيد، من قبيل تعظيم الفوائد والمنافع المتحقّقة من وسائل التواصل، والحدّ من تأثيراتٍ سلبية لها، في التثقيف العام، وفي العمل التنموي المجتمعي، وفي تثمير قنوات احتكاك النخب وأهل القرار والساعين إلى أدوار سياسية واجتماعية مع بيئاتهم في المدن والأرياف والبوادي.
هذه نسبة عالية جدا، أنّ لدى 98% من مستخدمي الإنترنت لديهم حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن 86% حسابات في "فيسبوك"، و81% لديهم "واتساب"، والذي يتبيّن هنا أن "تويتر" ليس بتلك المكانة التي ربما تشيع عنه (34%). ومن بالغ الدلالة أن 88% من مستخدمي الإنترنت في المنطقة العربية يستعملون الهواتف المحمولة لتصفّح الإنترنت، فيما 9% وسيلتهم الكمبيوتر. وبذلك، يتّضح لنا النفوذ الفادح لملازَمة الإنترنت المواطن العربي (إذا علمنا أيضا أن 22% فقط لا يستخدمون الإنترنت) في حياته وتفاصيل وقته. لسنا هنا أمام مسألة هامشية أو تفصيلية، بل بالغة الجوهرية، حيث التأثير النفسي والذهني لكثيرٍ مما يستهلكه المواطن العربي من موادّ من هاتفه المحمول عليه. غير أن من المهم أن نعرِف المجالات والقضايا التي يُؤثر المواطنون العرب التفاعل معها، أو يحرصون على التعبير عن آرائهم بصددها. والتفاصيل كثيرة جدا في هذا (ومثيرةٌ للتفكير حقا)، يُنصح هنا بزيارة الموقع الإلكتروني للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والتجوّل في تفاصيل المؤشّر العربي في مبحث استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، لتعرف، مثلا، أن 57% من العيّنة، وهي ممثّلة وعلمية من 14 بلداً عربياً (بينهم من الخليج قطر والسعودية والكويت)، لا يثقون بالأخبار والمعلومات التي يجرى تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي. و41% من يستخدمون وسائل التواصل يومياً أو عدّة مرّات في اليوم للتعبير عن آرائهم في قضايا راهنة.
ليس صحيحا ما يروّج عن تأثير من يسمّون المؤثّرين على جمهورٍ واسع وعريض، فنصف أصحاب حسابات التواصل الاجتماعي لا يتابعونهم، و14% فقط يتابعونهم بشكل دائم، وأول المؤثرين الذين يُتابَعون هم الرياضيون، ويليهم السياسيون ثم خبراء التجميل. ومن شأن هذه المعطيات (وأخرى كثيرة متّصلة بها بالتفصيل) أن تصحّح انطباعاتٍ ذائعة غير دقيقة، وأن تبدّد أوهاما يستطيب بعضُهم إشاعاتها، سيما وأننا نصادف إن وزاراتٍ ومؤسّساتٍ رسمية يحدُث أن تستعين بهؤلاء (بحساباتهم) لتسويق خياراتٍ أو مبادراتٍ أو اقتراحات معينة.
من طبيعيّ الأمور أن يفيدنا المؤشّر العربي بالتزايد المطّرد لمستخدمي الإنترنت عربياً، غير أنه يوفر هذا الأمر سنويا بنسبٍ مئوية، من 42% في استطلاع 2012 – 2013 إلى 77% في استطلاع 2022. وكاشفٌ أيضاً أنّ 75% يستخدمون الإنترنت ومواقع التواصل للحصول على الأخبار السياسية، وإنْ يتصدّر دافع التواصل مع الأصدقاء والمعارف غيره من الدوافع الأخرى لاستخدام وسائل التواصل (58%). وفي هذا كله، وغيره، ما يستثير فضولا كثيرا لمعرفة المزيد بشأنه، ولدرْسه، وللخروج بخلاصاتٍ مضيئةٍ بشأنه... وهذا كله وغيرُه من مشاغل غيرنا نحن أصحاب التعاليق الصحافية المتعجّلة.