الإمام والأتابك الظالم

16 يوليو 2015
+ الخط -
حكام وسلاطين دولة المماليك قادة عسكر امتهنوا العسكرية منذ الصغر، انتقلوا من الرق والغلمانية إلى الخدمة العسكرية، ثم التحكم في السلطة وإنشاء إقطاعيات، ثم الملك المباشر، المؤمرات والاغتيالات هي النهاية الغالبة لخلفائهم، بعضهم اتخذ لقب الأتابك، والأتابك تعني، في تفسير مربي الأمير، وفي اصطلاح آخر، تعني قائداً عسكرياً بالمحصلة. لدولة العسكر المملوكية من الفضل الذي يذكر، توقيفها المغول في معركة عين جالوت، أو صدها الحملات الصليبية، لكنها، على الرغم من طول أمدها، لم تكن مقرونة بإنجازات كبرى، ولم يعرف العالم الإسلامي إشعاعا حضارياً، يضاهي ما شهده إبان الخلافة العباسية أو الفاطمية أو الأموية، وكانت، على فترات متفاوتة، تشهد انقلابات متكررة ومجاعات وحروباً أهلية وثورات للعسكر والجند واستباحتهم للمدن.
في مصر الآن، العسكر هو الحاكم الفعلي للبلاد، منذ انقلاب يوليو/تموز 1952، حتى الذي بلباس مدني في الأصل كان عسكريا. لذا سمى بعضهم مصر دولة اللواءات، الجيش متحكم في البلاد والعباد، متحكم في الاقتصاد، حالة السلم جعلته مقاولاً ورجل أعمال أخطبوط. تحول الجيش إلى إقطاعي كبير داخل الدولة المصرية، دولة العسكر منذ انقلاب يوليو امتداد لدولة المماليك. جمال عبد الناصر خلع محمد نجيب، وفاة عبد الناصر جعلت السادات رئيساً، اغتيال الأخير مكّن حسني مبارك من الحكم. ثورة يناير أعادت المجلس العسكري إلى الحكم، بعد أن كانت ستتحول إلى الإبن بالوراثة، لم يستمر الحكم للمجلس العسكري، وعجلت الثورة في تمكين الرئيس المدني بالحكم، سنة واحدة لم يشأ فيها العسكر وحلفاؤهم إلا أن يعودوا إلى الحكم بغطاء الثورة.
الأتابك السيسي من قائد عسكري ووزير دفاع، إلى قائد انقلاب على الرئيس المنتخب ووصي على الحكم، مربي إبان فترة عدلي منصور. استنجد السيسي في بيانه بالرموز الدينية لإضفاء الشرعية، واستند بالجماهير في مظاهرات التفويض، وجعل من الإرهاب ومن ثم ضرورة بناء مصر واستقرارها شعارا للبقاء في الحكم، ولما استلم الحكم، حاول الاستئثار به، فتوالت الفرمانات والقوانين، ليتحول الرجل من حاكم منتخب ولو صوريا إلى ديكتاتور مملوكي صغير، لا يقبل المعارضة ولا الانتقاد ولا حتى من باب الإشارة، فالرجل من حيث المقام، كالأنبياء والملائكة.
دولة الظلم التي صنعها السيسي لا تقبل النقد حتى مجازيا، وكل ما يقال قد يؤول ويستنتج، حسب الهوى، وله في ذلك جوقة إعلاميين و قضاة وسياسيين، يؤولون الكلام حسب ما يشاؤون، ليغضب وينتقم. ولعل رد النظام وجوقته على دعاء الإمام في صلاة إحياء ليلة القدر، بعض مما أصبحت عليه مصر، فالرجل دعا من دون أن يسمي الأسماء بمسمياتها على الظالمين والمتجبرين وفسدة الإعلاميين والسياسيين، فما إن فسر الناس من معارضين، وحملوا الدعاء على أنه ضد السيسي، حتى قامت القائمة لدى النظام وجوقته، فمنعوا الرجل الإمام، واتهموه بأنه من الخرفان وخائن وعميل.
ربما لم يصرح محمد جبريل في دعائه، لكن صرحت الوقائع بأن المقصود، كما ذهب النظام بعزله الرجل، بأنه السيسي بعينه.
إن ظلت مصر على حالها في طغيان أميرها، وهوان أمرها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فلن يفرط العسكر في امتيازاتهم وحقوقهم ودولتهم التي بنوها من أجل طموحات عسكري واحد، قد تشهد مصر كما مضى، انقلابا آخر يقتلع السيسي، ليأتي بقائد عسكري آخر.

DF27E75E-E5BD-4F5F-A84B-F087ECD90A04
DF27E75E-E5BD-4F5F-A84B-F087ECD90A04
ماء العينين بوية (المغرب)
ماء العينين بوية (المغرب)