الإمارات وإسرائيل .. السينما وغيرها
يحتاج رصدُك الإتفاقيات الموقعة يوميا بين إسرائيل والإمارات إلى مجهود كثير، أو ربما إلى جهاز سكرتاريا يساعدُك. تتوالى بكثافةٍ متتابعةٍ، وبوتيرةٍ متعجّلة، في كل المجالات والاختصاصات والأنشطة، تتجاوز التحالف العسكري والأمني، المعلن، إلى إتفاقياتٍ بين البنوك والمصارف، وبين شركاتٍ في القطاع الخاص ومؤسساتٍ في دولة الاحتلال، وبين الجامعات ومراكز البحوث، وبين قطاعاتٍ مختصةٍ بالثقافة والفنون. والظاهر أن التحالف الجاري بين أبوظبي وإسرائيل بالغ الحرارة والحميمية. وإلا ما هي الدواعي الملحّة لإجازة نفخ حاخامٍ البوق اليهودي في دبي بمناسبة بدء السنة العبرية، السبت الماضي، ولأن يحتفي تلفزيون دبي بالمناسبة بوضع شارة تهنئةٍ بالعبرية على شاشته، ولأن يتبادل رئيسا تحرير "الإتحاد" الظبيانية، و"يديعوت أحرونوت"، مقالاتهما للنشر في الصحيفتين، من شديد الوساخة أن يكتب الأخير داعيا الإماراتيين إلى "زيارة الأماكن التاريخية في القدس" (!).
ولمّا كان الحبل باقٍ على الجرّار، فإن جهاز السكرتاريا سيصير شديد الضرورة لملاحقة طوفان الإتفاقيات والمذكّرات المشتركة، والتي لا شطط في القول إنها تفوق، كمّا ونوعا، الإتفاقات الموقعة بين الإمارات وأي بلد عربي. وهذه، لا على التعيين، الإتفاقية (الإطارية؟)، المعلنة أخيرا، بين لجنة أبوظبي للأفلام وصندوق السينما الإسرائيلي ومدرسة سام شبيغل للإنتاج السينمائي في القدس، لا مثيل لها بين الإمارات ومصر (مثلا)، التي تعدّ من أولى دول العالم في صناعات السينما، وفيها خبراتٌ وبنياتٌ تحتيةٌ مشهودةٌ في هذا. ومن بين كلامٍ كثيرٍ تضمّنته الإتفاقية التي وصفتها اللجنة المذكورة "تاريخيةً" إن الطرفين اتفقا على جدول أعمال من أربع مبادراتٍ رئيسيةٍ، منها إقامة ورش عملٍ مشتركة، في التدريب والتعلم، إلى جانب الإفادة من "مختبر الأفلام الدولي". كما إقامة برامج تدريبيةٍ متخصّصةٍ لصنّاع الأفلام وتطوير إنتاجاتٍ مشتركةٍ بين أبوظبي وإسرائيل. واختيار طلابٍ إماراتيين للدراسة في أحد المسارات التعليمية التي تقدّمها مدرسة "سام شبيغل للإنتاج السينمائي"، واختيار ممثلين عن قطاع السينما الإماراتي للمشاركة في نشاطات المختبر. والتخطيط لإقامة مهرجانٍ سينمائي إقليمي سنوي، يستعرض إنتاجات المبدعين، على أن يقام بالتناوب بين أبوظبي وإسرائيل. وما يستنفر العجب في هذا كله أن لدى أبوظبي أوثق العلاقات مع دولٍ عديدة، فيها المعاهد والأكاديمياتُ والأوراش والهيئاتُ المعنيةُ بتأهيل الكفاءات في صناعات أفلام السينما، ما لا يجعلها في حاجةٍ إلى مدرسةٍ في إسرائيل في هذا الخصوص، سيما وأن دولة الإحتلال العنصري ليس مشهورا تقدّمها في هذه الصنعة، على غير صدارة مكانتها في تطوير تقنيّات التجسّس. ومن غرائب حفلت بها الإتفاقية المتحدّث عنها أن طرفيها سيعملان على "بناء تعاونٍ ثقافيّ ٍفي مجالات صناعة المحتوى الذي يهدف إلى تعزيز ثقافة التسامح والتعلم وبناء تفاهم ثقافي مشترك".
لم يحدُث شيءٌ مثل أرطال الوقاحة والابتذال هذه (الإقتباس أعلاه شديد الإيجاز) أبدا بين الأردن وإسرائيل، ولا بين مصر وإسرائيل، ولن يحدُث. تماما كما العجب العُجاب في توجيه رسالةٍ إلى الجامعات الإماراتية والأكاديميين العاملين فيها، تحثّهم على الإنخراط في مشروعات بحوثٍ مشتركةٍ مع "المجلس اليهودي للإمارات العربية المتحدة (Jewish Council of UAE) للبحث في التاريخ اليهودي في الإمارات، بالتعاون مع منظماتٍ دولية. وقد نُشر أن جامعة زايد (كما جامعات إماراتية أخرى) بصدد تطوير شراكةٍ مع المجلس "ستتضمّن مجالات تعاونٍ وأنشطةٍ في البحث وبرامج دراسيةٍ ودراسة لغاتٍ وتعاونٍ مجتمعي وتواصل، كما ستتجه نحو استكشاف موضوعاتٍ مثل التاريخ اليهودي في الإمارات، والثقافة والتراث اليهودي – الإسلامي"... يحتاج واحدُنا إلى أعصابٍ خاصة، وهو يتعرّف لأول مرة على مجلسٍ مستجدٍّ بهذا الإسم، وهو يتعرّف على ولع حكام أبوظبي باليهود، سيما وأنهم لم يخبرونا يوما عن "تاريخٍ يهوديٍّ" في بلدهم. وهذه وزيرة الثقافة والشباب الإماراتية، نورة الكعبي، تعلن في مقابلةٍ مع صحيفة عكاظ السعودية (!)، قبل توقيع ما سمّيت معاهدة سلامٍ بين بلدها وإسرائيل، إن تفاهماتٍ وشراكاتٍ نوعيةً في مجالاتٍ ثقافيةٍ لم يتم تداولها مسبقا ستتم مع إسرائيل.
ليس الذي نرى، ونقرأ ونسمع عنه، بين الإمارات وإسرائيل، تطبيعا فحسب، إنه أوثق من تحالف.. وهذا مفزع.