الإعلان الأميركي – المغربي – الإسرائيلي .. دوافعه ومستقبله
شهدت العاصمة المغربية، الرباط، في 22 كانون الأول/ ديسمبر 2020، مراسم توقيع "إعلان مشترك" بين كل من المغرب والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، ليكون المغرب بذلك رابع دولة عربية تعلن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، خلال أربعة أشهر، بعد كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان. وحصل المغرب، مقابل ذلك، على اعترافٍ من إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، بـ "السيادة المغربية على كامل إقليم الصحراء الغربية"، ودعم لمقترح الحكم الذاتي المغربي "باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع حول الصحراء الغربية".
تفاصيل الاتفاق
كان الرئيس ترامب أعلن في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2020 اتفاق المغرب وإسرائيل "على تطبيع العلاقات بينهما"، على أن يستأنفا لاحقًا "العلاقات الدبلوماسية الكاملة". وفي الثاني والعشرين من الشهر نفسه، أقلعت أول طائرة تجارية إسرائيلية من تل أبيب إلى الرباط على متنها وفدان؛ أميركي برئاسة مستشار ترامب وصهره، جاريد كوشنر، وإسرائيلي برئاسة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شبات. واتفق الطرفان، في المرحلة الأولى، على إعادة فتح مكتبَي الاتصال في الرباط وتل أبيب، اللذين تمَّ افتتاحهما عام 1994، وأُغلقا عند اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية أواخر عام 2000. في حين أعلنت واشنطن أنها بصدد فتح قنصلية لها في مدينة الداخلة في الصحراء الغربية.
إضافة إلى ذلك، وقّع المغرب وإسرائيل أربع مذكرات تفاهم، شملت الطيران المدني وأبحاث الموارد المائية والتمويل وإعفاء حاملي الجوازات الدبلوماسية من التأشيرات مع بقائها بالنسبة إلى المواطنين العاديين. في المقابل، وقّعت الولايات المتحدة والمغرب مذكرتَي تفاهم تعهدت فيهما واشنطن باستثمار ثلاثة مليارات دولار في المغرب وإقليم الصحراء. وقد أبلغت إدارة ترامب الكونغرس نيّتها بيع المغرب طائرات بدون طيار وأسلحة موجهة عالية الدقة بقيمة مليار دولار.
وعلى الرغم من أن العلاقات المغربية - الإسرائيلية كانت قد جمّدت رسميًا أواخر عام 2000، فإنّ الطرفين حافظا على اتصالاتٍ دبلوماسيةٍ غير معلَنة؛ حيث يزور المغرب كل عام ما بين 30 ألف إلى 50 ألف سائح إسرائيلي. كما أنّ التجارة البينية بينهما لم تتوقف، وقد بلغ حجم التبادل التجاري الثنائي في الفترة 2014 - 2017 قرابة 149 مليون دولار. والمعروف أنّ اليهود المنحدرين من أصول مغربية يمثلون نحو 12% من سكان إسرائيل (700,000)، في حين بقي نحو 3000 يهودي في المغرب، بعد أن هاجرت غالبيتهم إلى فلسطين المحتلة بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948.
حرص المغرب على التعبير عن موقفٍ داعم لحل الدولتين، على الرغم من أن الإعلان الثلاثي المشترك لا يشير إلى أيّ حديث عن "دولة فلسطينية"
وحرص المغرب على التعبير عن موقفٍ داعم لحل الدولتين، على الرغم من أن الإعلان الثلاثي المشترك لا يشير إلى أيّ حديث عن "دولة فلسطينية". ويمكن تقسيم الإعلان المشترك ثلاثة أجزاء: يتضمن الأول الاعتراف الأميركي بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، ويحيل الثاني إلى موقفٍ عام للمغرب من القضية الفلسطينية والقدس، ويناقش الثالث التزامات المغرب وإسرائيل بحسب الاتفاق.
أولًا. الاعتراف الأميركي بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية
جاء في الإعلان ما يلي:
1. "تعترف حكومة الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على كامل إقليم الصحراء الغربية، وتجدد دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي الجاد والواقعي وذي الصدقية، باعتباره الأساس الوحيد لحلٍ عادل ودائم للنزاع حول الصحراء الغربية.
2. تيسيرًا للعمل من أجل بلوغ هذه الغاية، ستشجع الولايات المتحدة التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع المغرب، بما في ذلك إقليم الصحراء الغربية، وستقوم لهذا الغرض بفتح قنصلية في مدينة الداخلة من أجل تعزيز الفرص الاقتصادية والاستثمارية لفائدة المنطقة".
أما بيان الرئيس ترامب الذي تم الإعلان عنه في 11 كانون الأول/ ديسمبر، فأضاف ما يلي:
1. المغرب هو أحد أقدم حلفاء الولايات المتحدة في شمال أفريقيا وأقربهم، وقد أكدت كل إدارة (أميركية) منذ إدارة الرئيس كلينتون دعمها اقتراح المغرب للحكم الذاتي.
2. يحثّ الرئيس ترامب جميع الأطراف على المشاركة البناءة مع الأمم المتحدة، والنظر في طرق مبتكرة وحقيقية، لدفع عملية السلام.
3. يترك هذا الاعتراف مجالًا لحلٍ تفاوضي، وتظل الولايات المتحدة ملتزمة بالعمل مع المغرب وجبهة البوليساريو وجميع الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة لدعم العمل الضروري في المستقبل وخلق منطقة أكثر سلامًا وازدهارًا".
ثانيًا. موقف المغرب من القضية الفلسطينية والقدس
لا يتحدث الإعلان الثلاثي عن حل الدولتين، كما أنه لا يشير إلى الوضع السياسي لمدينة القدس. وقد جاء في الإعلان الثلاثي: تذكيرًا بوجهات النظر المتبادلة خلال الاتصال بين الملك محمد السادس والرئيس دونالد ترامب، بشأن الوضع الراهن في منطقة الشرق الأوسط، والذي جدّد خلاله الملك "موقف المملكة المغربية المتوازن والثابت بخصوص القضية الفلسطينية والموقف المعبّر عنه في ما يخص أهمية المحافظة على الطابع الخاص لمدينة القدس المقدّسة بالنسبة إلى الديانات السماوية الثلاث ومكانة صاحب الجلالة بوصفه رئيسًا للجنة القدس".
جاءت موافقة الرباط على توقيع اتفاق تطبيع للعلاقات مع إسرائيل بهدف الاستفادة من هرولة ترامب ومعاونيه لتقديم ما أمكن من الخدمات لإسرائيل قبل نهاية رئاسته
لا نفهم المقصود بعبارة "موقف المملكة المغربية المتوازن والثابت بخصوص القضية الفلسطينية"، وكذلك المقصود بعبارة "أهمية المحافظة على الطابع الخاص لمدينة القدس المقدسة بالنسبة إلى الديانات السماوية الثلاث". وهذه الصياغة لا تتناقض مع "سيادة إسرائيل على القدس الموحدة"، ولا مع كونها عاصمة لإسرائيل، ولا يُجلي الغموض، خصوصًا أن هذا الاتفاق يندرج ضمن "اتفاق أبراهام" الذي يجعل مدينة القدس جزءًا من "المواقع التاريخية في إسرائيل" المفتوحة "أمام المسلمين في جميع أنحاء العالم"، لزيارتها "والصلاة بسلام في المسجد الأقصى في القدس".
ثالثًا. نطاق الاتفاق المغربي - الإسرائيلي
يشير الاتفاق إلى أنّ الطرفين يعتزمان:
1. "الترخيص للرحلات الجوية المباشرة بين المغرب وإسرائيل، بما فيها رحلات شركات الطيران الإسرائيلية والمغربية، مع تخويل حقوق استعمال المجال الجوي.
2. الاستئناف الفوري للاتصالات الرسمية الكاملة.
3. تشجيع تعاون ثنائي اقتصادي ديناميكي وخلاق.
4. مواصلة التعاون في مجالات التجارة، والمالية والاستثمار، والابتكار والتكنولوجيا، والطيران المدني، والتأشيرات والخدمات القنصلية، والسياحة، والمياه والفلاحة والأمن الغذائي، والتنمية، والطاقة والمواصلات السلكية واللاسلكية، وغيرها من القطاعات وفقًا لما سيتم الاتفاق بشأنه.
5. إعادة فتح مكتبَي الاتصال في الرباط وتل أبيب".
وينص الاتفاق على توافق الدول الثلاث على:
1. "الالتزام بالاحترام الكامل للعناصر المتضمنة في هذا الإعلان، والنهوض بها والدفاع عنها.
2. قيام كل طرف بالتنفيذ الكامل لالتزاماته وتحديد مزيد من الخطوات، وذلك قبل نهاية كانون الثاني/ يناير 2021.
3. التصرف وفقًا لهذا الإعلان على المستويات الثنائية والإقليمية والمتعددة الأطراف".
دوافع أطراف الاتفاق
جاءت موافقة الرباط على توقيع اتفاق تطبيع للعلاقات مع إسرائيل بهدف الاستفادة من هرولة ترامب ومعاونيه لتقديم ما أمكن من الخدمات لإسرائيل قبل نهاية رئاسته، بأسلوب صفقات رجال الأعمال الذي يتّبعه في السياسة الخارجية، بحيث تمنحه إنجازًا دبلوماسيًا أخيرًا، وتحصل، في المقابل، على اعترافٍ أميركي بسيادتها على الصحراء الغربية ودعم اقتصادي وعسكري.
وبالنسبة إلى إسرائيل، يعزّز التطبيع مع المغرب سياسة نتنياهو القائمة على شعار "السلام مقابل السلام، من منطلق القوة"، وليس على قاعدة "الأرض مقابل السلام" في السياق الفلسطيني/ العربي – الإسرائيلي". وبموجب هذه السياسة، لا ينبغي لإسرائيل أن تنسحب من أي أراضٍ (فلسطينية وعربية)، وإنما يجب عليها فقط الدخول في مسار سلام كامل وعلني مع الدول العربية في شتى المجالات، بما فيها المجال الأمني".
لا يتحدّث الإعلان الثلاثي عن حل الدولتين، كما أنه لا يشير إلى الوضع السياسي لمدينة القدس
أما أميركيًا، فيمكن الحديث عن عدة مستويات من الدوافع لإنجاز هذا الاتفاق، أوّلها رغبة ترامب في تقديم قصة نجاح يتيمة لرئاسةٍ فوضوية، داخليًا وخارجيًا، وقد وجد ضالّته في موافقة بعض الدول العربية على التطبيع مع إٍسرائيل. ولا يمكن هنا التقليل من دور "فريق السلام الأميركي"، إذ يتبنّى كل من كوشنر والسفير الأميركي في القدس المحتلة ديفيد فريدمان، والمبعوث الأميركي للسلام في الشرق الأوسط آفي بيركويتز، وسلفه جيسون غرينبلات، أفكار اليمين الإسرائيلي. ولم تُخف هذه الشخصيات حرصها على خدمة مصالح إسرائيل، حتى ولو على حساب المصالح الأميركية. ويبدو هؤلاء كأنهم في سباقٍ مع الزمن، لخدمة إسرائيل قبل خروجهم من الحكم. وقد ساير ترامب أجندة هذه الشخصيات الأربع، على نحوٍ أدّى إلى تحوّل إدارته إلى قناة لتمرير أجندة اليمين الصهيوني، ومن ثم، شهدنا انسجامًا تامًا بين واشنطن وتل أبيب خلال إدارته وحكومة نتنياهو.
إقليميًا، لا تخفي إدارة ترامب استنادها إلى المقاربة التي تبنّتها منذ أشهرها الأولى في الحكم، ومفادها أن تحقيق سلام فلسطيني – إسرائيلي لن يتم إلا عبر مقاربة إقليمية، على أساس أن ذلك سيخدم أجندة أوسع للولايات المتحدة في المنطقة، وتحديدًا احتواء إيران ومحاربة الإرهاب. ويؤكّد بيان ترامب الذي أعلن فيه الاتفاق بين الرباط وتل أبيب أن "مع قيام المزيد من الدول العربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ستصبح المنطقة أكثر استقرارًا وأمانًا وازدهارًا." و"سيعزّز ذلك أمن إسرائيل"، ويؤدّي إلى "تحول جيوسياسي" في الشرق الأوسط وأفريقيا.
مستقبل الاتفاق
أثار الاتفاق انتقاداتٍ حادّة داخل الولايات المتحدة، تركزت حول اعتراف إدارة ترامب بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. وكان لافتًا أن يتصدّر حملة الانتقادات هذه ثلاث شخصيات جمهورية، هي: وزير الخارجية الأسبق، جيمس بيكر، والذي عمل أيضًا مبعوثًا للأمم المتحدة للصحراء الغربية، ومستشار الأمن القومي السابق لترامب، جون بولتون، ورئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي، جيم إينهوف. وقد دعا الثلاثة الرئيس المنتخب جوزيف بايدن إلى التراجع عن الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، رافضين ربط ذلك بالاتفاق مع إسرائيل، ومعتبرين أنه في حال قرّر بايدن التراجع عن هذا الاعتراف فذلك لن يعرّض الاتفاق المغربي - الإسرائيلي للخطر. وقد دعمت الولايات المتحدة، قبل الاعتراف الأخير، موقف الأمم المتحدة الداعي منذ عام 1991 إلى إجراء استفتاء بين مواطني الصحراء على حق تقرير المصير؛ إذ ترى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي أن الصحراء منطقة متنازع عليها. في حين أن السيادة المغربية على الصحراء قضية إجماع وطني في المغرب، لا تشذّ عنه أي قوة سياسية مغربية.
في وسع بايدن، دستوريًا، التراجع عن قرار ترامب، من خلال إصدار قرار تنفيذي عند توليه الرئاسة، لكن ذلك غير مرجّح
في وسع بايدن، دستوريًا، التراجع عن قرار ترامب، من خلال إصدار قرار تنفيذي عند توليه الرئاسة، لكن ذلك غير مرجّح، ولن يكون سهلًا، خصوصًا أن الأمر يتعلق بالعلاقة مع حليف في شمال أفريقيا هو المغرب، فضلًا عن أنّ بايدن دعم اتفاقات التطبيع العربية مع إسرائيل. ومع ذلك، فإن حدوث هذا الأمر غير مستبعد؛ إذ يتحدّث مقرّبون من بايدن عن نيته تجميد بعض أجزاء صفقات التطبيع العربي مع إسرائيل، مثل بيع الإمارات طائرات أف – 35، والتي تجد معارضة واسعة في الكونغرس، وكذلك الأمر بالنسبة إلى منح السودان حصانةً سياديةً ضد الدعاوى القضائية بذريعة الإرهاب. كما أن بايدن يريد إدماج الفلسطينيين في اتفاقات السلام، كما أنه يؤيد العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما ترفضه إسرائيل ودول خليجية، كالمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين.