الإجراءات التموينية ضربة معلم
يختار هذا الرجل لحظات مفصلية في تاريخ عوز العالم وحاجته وفقره للغذاء والقمح والفاصولياء والبازلاء، كي يقدّم للعالم درسا بليغا في الكرم والجود والمروءة لشعبه، درسا يُكتب بماء الذهب في تاريخ الحكّام، رجل بلمحة كرم ذكية ونابهة. وفي رمشة عينٍ يحول مركب التاريخ تجاه عيون مصر وأهراماتها وذهبها وقمحها، فإذا بالعالم يقف على أطراف أصابعه، راصدا كيف حوّل هذا الرجل دفة مركبه في غمضة عين من حاجةٍ وأزمةٍ إلى خير وفير يضاهي كرم النيل في السخاء وفيض خيره وطميه في عزّ سنواتٍ عجافٍ يمرّ بها العالم، بطيره وإنسه وجنه ودوابه، فهذا الرجل يمتلك عصا سحرية في إدارة دفة التاريخ وبهجته وكرمه في اتجاه رغبات شعبه وطموحاته، ويمتلك أيضا القدرة العجيبة في قراءة الاحتياجات الملحّة، هل هو هبَة اقتصادية من السماء، هل هو إلهام رباني، هل هو طبيب يقرأ الجراح جيدا ويقدّم العلاج البلسم في لحظات فريدة، هل هي العبقرية الروحية لقائدٍ يقرأ نبضات ناسه وخلجاتهم وكيفية مواساتهم من خمسين سنة وفي لحظات شفافة ونادرة أيضا.
كيف لرجلٍ واحد يدخر كل هذا الكرم في طواياه، ويعلنه هكذا مرة واحدة لشعبه، في أوقات يعلن فيه العالم أجمع خلو مخازنه من الشاي والسكر، والتمر الهندي، وحبّة البركة والدقيق والفاصولياء. ويخرج هو على العالم بكل هذه السلع العجيبة مرّة واحدة، حنكة اقتصادية مذهلة أمام اهتزازات العالم المربكة أمام الزيت والرغيف وكرّاسات التلاميذ والبطاطس، وإذا بالرجل يخرج بالفم المليان أمام العالم كله، ويعلنها صريحة بإضافة مبلغ "200 جنيه"، أخرى إلى بطاقات التموين تنفيذا لرغبات النخبة في الحوار الوطني وحزب التجمّع وحزب السبع بنات وأم جمعة، وذلك إلى كل بطاقة من أصحاب الدخول المحتاجة، غير المائة جنيه بالطبع السابقة، "دهب ألماظ" في أسبوع واحد يا ربي؟.
هكذا في ضربة واحدة، ضربة معلم بحق، ضربة ملهمة تحسُده عليها أحزاب اليمين والشمال والخضر والوسط في أطراف العالم المتحضّر، ضربة رجل يعرف تماما أن لكل حادثة حديثا، وأن إدارة الدول تلزمها عقول نابهة وقلوب شفافة وصحافة وإعلام متابع ووطني فقط، فكيف أوقف الرجل ارتباكات الوطن وحولها لمنح وأفراح في لحظة يضرب فيه العالم أخماسا في أسداس في البحث عن الزيوت حتى زيت الخروع؟، وها هي "200 جنيه مرة واحدة في موجة كرم عاتية لشعبه"، قدّمها للناس على طبق من ذهب، خصوصا ونحن على أبواب مدارس وأجراس تدق وتلاميذ يحبون البطاطس المقلية في الزيت. والمبلغ يكفي لشراء "6 زجاجات زيت للأسرة في الشهر". والكل يعرف بالطبع محبة التلاميذ البطاطس صباحا، مينا وحسين وتواضروس وسوسن ونصر ومحروس وأبو دريس، كلهم يحبون البطاطس، والرجل بالطبع عند وعده. هذا للقلي فقط، أما أمر شراء البطاطس فحتما سيكون في الدفعة المقبلة، خصوصا إذا استمرّت الحرب، فرجاله يحسبون احتياجات الناس حتي بعدد أقراص الطعمية، فقد قال الوزير الأسبق للبترول، سامح فهمي ( 1999 – 2011)، وخرج في عهد السيسي براءة من 15 سنة، وهو للعلم عديل أمير الطرب هاني شاكر، قال، بعد البراءة في الإعلام، إنه يعرف تماما عدد أقراص الطعمية التي تطهيها أنبوبة بوتاغاز واحدة مصرية، 700 آلاف سنة، بالقرص، وهذه بالطبع قدرات عجيبة لمهندس حاصل على الدكتوراه في الهندسة من هنغاريا، فهل يعرف الدكتور سامح مثلا كم كيلو بطاطس يتم قليه، بست زجاجات زيت، وهي الحصيلة النهائية للمبلغ المحترم الذي وعد به السيسي، أصحاب ثمانية ملايين ونصف المليون بطاقة تموينية في المحروسة مصر؟ وبالمرّة يحسب لنا عدد الساندويتشات التي يتم تقفيلها بالبطاطس، خصوصا ونحن على أبواب مدارس. وبما أن المصري يحب الإنفاق ببذخ في حالات كرم الحكومة، فمن الممكن أن يأخذ موظف، في حالة دلع، الـ200 جنيه ويشتري كيلو لحم، في عيد ميلاد زوجته. ومن الممكن أيضا في ظل الكرم، أن تتطلب الزوجة حفلة للغناء لها خصيصا بسعد الصغير مع المطربة أمينة حنطور، ويفرح سعد الصغير بالموقف، على أن يتنازل عن أجره وأجر أمينة حنطور، كرامة للرئيس وتحيا مصر، إلا أنه يضع شرطا بسيطا، أن يكترى لهم صاحب الفرح حنطورا لزوم المشهد والتصوير مع المطربة، لتصوير الموقف كله، من قبيل الطرافة وخفة دم الشعب المصري، فلا يجد صاحب الفرح حنطورا لليلة واحدة إلا بحوالي 500 جنيه، وبعد مماطلة من الموظف صاحب الفرح يقول عربجي الحنطور، إن عليق حصان الحنطور في الليلة "100 لحلوح"، علاوة على أنه ركّب للحصان من يومين حدوتين، بـ100 جنيه، وإنْ لم تصدّقوا كلامي، فاسألوا المعلم، حمادة ابن رمانة، تحت المحطة.