25 اغسطس 2024
الأسد احتفظ لإدلب بحق الرد
وضع انقلابُ الحركة التصحيحية العسكري، الذي نفذه حافظُ الأسد، في أواخر سنة 1970، حداً فاصلاً بين مفهوم "البطولة" السائد في المجتمع السوري الذي يُلخصه المثل الشعبي القائل "الكف لِمَنْ سطره"، والواقع البطولي الجديد الذي يتلخص بعبارة: الاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين.
كنا، نحن السوريين العاديين، (الغشيمين في السياسة)، نظن أن هذا المبدأ عسكريٌّ صرف، ويعني أنْ تتلقى قيادتُنا الحكيمة نبأ أيِّ عدوان تقوم به الطائرات الصهيونية المتغطرسة على أحد مواقعنا العسكرية بغضب يليق بقيادة تاريخية استثنائية، وتمتصّ الصدمة الأولى بشجاعة عَزَّ نظيرُها، وتصبر، وتصابر، وتنام على السالفة ردحاً من الزمان، ثم، فجأة، لا يعرف العدوُّ الصهيوني الغاشمُ، والذين خَلَّفُوه، مِنْ أين يأتيهم الضربُ والركلُ والدعسُ والفعسُ، ليندموا عما اقترفت أيديهم القذرة بحق شعبنا الذي يقوده هذا الأسدُ الهصور.. ومتى يندمون؟ بعد أن يفوت أوانُ الندم.
في أثناء الإقامة البطولية لقطعات جيشنا العربي السوري الباسل في البقاع اللبناني، كان الطيران الإسرائيلي (الغاشم) يتسلى بقصفها، على نحو يومي، وما إن يتوقف القصف الغاشمُ، في كل مرة، حتى تأتي سياراتُ التاترا والزيل 57 العسكرية روسية الصنع، وتجمع جثامين الشهداء، وتشحنهم إلى برادات مشفى تشرين العسكري. ومن هناك يجري توزيعهم بسيارات الإسعاف على ذويهم في المدن والبلدات والقرى، ويُسَلَّمُ جثمانُ كل منهم لذويه ملفوفاً بالعَلَم، مع تحيات الأب القائد، وتهانيه لهم بنيله شرف الشهادة، وألف ليرة سورية حلال زلال (ما يعادل 40 دولاراً) تُسَلَّمُ لأحد أبويه، وتوضيح صغير بأن الأب القائد قد افتتح مدارس لأبناء الشهداء وبناتهم، فإذا كان شهيدُكم متزوجاً ولديه أولاد، فابعثوا لنا أولاده لنعلمهم كيف تكون الشهادة في سبيل القائد على أصولها في المستقبل. بمعنى آخر: يعني: لا تفكّروا أن القائد ضحّى بأولادكم وذهبَ في حال سبيله، بالعكس، إنه يضمن لكم (حق الرد) على قاتليه في الزمان والمكان المناسبين.
ولكن حافظ الأسد، وهذا ما اكتشفناه في ما بعد، لم يكن ليقتصر، في مجال الاحتفاظ بحق الرد، على المسائل العسكرية. فالرفاق البعثيون الشباطيون فصلوه من الحزب لأسباب عديدة، منها امتناعُه، بوصفه وزيراً للدفاع وقائداً للقوى الجوية، عن نصرة الأشقاء الفلسطينيين المحاصرين في الأردن. وحينما آلت الأمور إليه، قَتَلَ بعضَهم، وألقى بعضهم الآخر في السجون إلى أجل مسمى واحد هو الوفاة.. وجعل أبناءهم مضروبين بالتقارير الأمنية مدى الحياة، فلا يحقّ لأحد منهم الحصول على وظيفة أو مغنم أو سفر.. والذين شكلوا الأحزاب السياسية خارج نطاق "الجبهة التقدمية" صبر عليهم فترة قصيرة، ثم رماهم في سجونٍ لا يستطيع الذباب الأزرق زيارتَها، لجهله عنوانَها، ولم يخرج منهم، بعد عشر وخمس عشرة وعشرين سنة غير طويل العمر، ومحدودب الظهر، واللي (عايف حاله) من القهر.
في الأيام الأولى لنجاح الانقلاب، شرع حافظ الأسد يسافر إلى المحافظات، ليشرح لـ "الشعب" سياستَه وأهدافه، ويؤكد على إخلاصه للوطن والعروبة والحزب القائد. في مدينة إدلب، وبينما كان واقفاً مع أركان انقلابه في ساحة هنانو فوق مبنى المركز الثقافي القديم، إذ صعدت نحوه فردة حذاء بلاستيكية عتيقة، فامتصّ (سيادته) الإهانة، وحَيَّا الجماهير الكادحة المحتشدة، وندّد بالمندسين بيننا من قِبَل الإمبريالية والصهيونية والرجعية، وتابع خطابه وكأن شيئاً لم يكن.. ومنذ ذلك التاريخ، والقائد التاريخي حافظ الأسد يحتفظ لمحافظة إدلب بحق الرد، وكأن المحافظة كلها ضربته بالحذاء، فلم تكن إدلب، طوال عهده، تحصل على الحد الأدنى من الشواغر الوظيفية والمشاريع الاستثمارية والخدمية. ومثلما أورث حكم سورية لولده القاصر، أورثه كراهية إدلب، فحافظ الوريث على الكراهية حتى قيام الثورة، حيث خصّ إدلب بأكبر كمية ممكنة من البراميل، والصواريخ، والقذائف، وزاد طينها بلة عندما راح يشحن عناصر تنظيم القاعدة و(يكبّهم) فيها.
كنا، نحن السوريين العاديين، (الغشيمين في السياسة)، نظن أن هذا المبدأ عسكريٌّ صرف، ويعني أنْ تتلقى قيادتُنا الحكيمة نبأ أيِّ عدوان تقوم به الطائرات الصهيونية المتغطرسة على أحد مواقعنا العسكرية بغضب يليق بقيادة تاريخية استثنائية، وتمتصّ الصدمة الأولى بشجاعة عَزَّ نظيرُها، وتصبر، وتصابر، وتنام على السالفة ردحاً من الزمان، ثم، فجأة، لا يعرف العدوُّ الصهيوني الغاشمُ، والذين خَلَّفُوه، مِنْ أين يأتيهم الضربُ والركلُ والدعسُ والفعسُ، ليندموا عما اقترفت أيديهم القذرة بحق شعبنا الذي يقوده هذا الأسدُ الهصور.. ومتى يندمون؟ بعد أن يفوت أوانُ الندم.
في أثناء الإقامة البطولية لقطعات جيشنا العربي السوري الباسل في البقاع اللبناني، كان الطيران الإسرائيلي (الغاشم) يتسلى بقصفها، على نحو يومي، وما إن يتوقف القصف الغاشمُ، في كل مرة، حتى تأتي سياراتُ التاترا والزيل 57 العسكرية روسية الصنع، وتجمع جثامين الشهداء، وتشحنهم إلى برادات مشفى تشرين العسكري. ومن هناك يجري توزيعهم بسيارات الإسعاف على ذويهم في المدن والبلدات والقرى، ويُسَلَّمُ جثمانُ كل منهم لذويه ملفوفاً بالعَلَم، مع تحيات الأب القائد، وتهانيه لهم بنيله شرف الشهادة، وألف ليرة سورية حلال زلال (ما يعادل 40 دولاراً) تُسَلَّمُ لأحد أبويه، وتوضيح صغير بأن الأب القائد قد افتتح مدارس لأبناء الشهداء وبناتهم، فإذا كان شهيدُكم متزوجاً ولديه أولاد، فابعثوا لنا أولاده لنعلمهم كيف تكون الشهادة في سبيل القائد على أصولها في المستقبل. بمعنى آخر: يعني: لا تفكّروا أن القائد ضحّى بأولادكم وذهبَ في حال سبيله، بالعكس، إنه يضمن لكم (حق الرد) على قاتليه في الزمان والمكان المناسبين.
ولكن حافظ الأسد، وهذا ما اكتشفناه في ما بعد، لم يكن ليقتصر، في مجال الاحتفاظ بحق الرد، على المسائل العسكرية. فالرفاق البعثيون الشباطيون فصلوه من الحزب لأسباب عديدة، منها امتناعُه، بوصفه وزيراً للدفاع وقائداً للقوى الجوية، عن نصرة الأشقاء الفلسطينيين المحاصرين في الأردن. وحينما آلت الأمور إليه، قَتَلَ بعضَهم، وألقى بعضهم الآخر في السجون إلى أجل مسمى واحد هو الوفاة.. وجعل أبناءهم مضروبين بالتقارير الأمنية مدى الحياة، فلا يحقّ لأحد منهم الحصول على وظيفة أو مغنم أو سفر.. والذين شكلوا الأحزاب السياسية خارج نطاق "الجبهة التقدمية" صبر عليهم فترة قصيرة، ثم رماهم في سجونٍ لا يستطيع الذباب الأزرق زيارتَها، لجهله عنوانَها، ولم يخرج منهم، بعد عشر وخمس عشرة وعشرين سنة غير طويل العمر، ومحدودب الظهر، واللي (عايف حاله) من القهر.
في الأيام الأولى لنجاح الانقلاب، شرع حافظ الأسد يسافر إلى المحافظات، ليشرح لـ "الشعب" سياستَه وأهدافه، ويؤكد على إخلاصه للوطن والعروبة والحزب القائد. في مدينة إدلب، وبينما كان واقفاً مع أركان انقلابه في ساحة هنانو فوق مبنى المركز الثقافي القديم، إذ صعدت نحوه فردة حذاء بلاستيكية عتيقة، فامتصّ (سيادته) الإهانة، وحَيَّا الجماهير الكادحة المحتشدة، وندّد بالمندسين بيننا من قِبَل الإمبريالية والصهيونية والرجعية، وتابع خطابه وكأن شيئاً لم يكن.. ومنذ ذلك التاريخ، والقائد التاريخي حافظ الأسد يحتفظ لمحافظة إدلب بحق الرد، وكأن المحافظة كلها ضربته بالحذاء، فلم تكن إدلب، طوال عهده، تحصل على الحد الأدنى من الشواغر الوظيفية والمشاريع الاستثمارية والخدمية. ومثلما أورث حكم سورية لولده القاصر، أورثه كراهية إدلب، فحافظ الوريث على الكراهية حتى قيام الثورة، حيث خصّ إدلب بأكبر كمية ممكنة من البراميل، والصواريخ، والقذائف، وزاد طينها بلة عندما راح يشحن عناصر تنظيم القاعدة و(يكبّهم) فيها.