الأسدية تعبر الحدود إلى الأردن

04 أكتوبر 2015
+ الخط -

أدهشني، وأطرفني، وأضحكني أن تنتقل عدوى الأسدية إلى الأردن (الشَّقيق)؛ أو على حد تعبير الفنان الأسدي الكبير دريـد لحـام، (الشَّكيك).

الأسدية، مبدئياً، هي تجليات حب شريحة كبيرة من السوريين، وغير السوريين، القائدَ التاريخي حافظ الأسد، وسلالته مِنْ بعده. يصلُ هذا الحبُّ، أحياناً، إلى حدود الوَجْد، والضَنى، والهُيام، كما حصل مع واحدٍ من الأمناء العامين لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، حينما نسي أنه انضم إلى هذه الجبهة بوصفه معارضاً. ودعا إلى تشكيل تيار سياسي اسمه الأسدية، مُدَعِّمَاً وجهةَ نظره بالمثل الشعبي "لا يوجد أحد أحسن من أحد"، فطالما أن هناك ديغولية، وناصرية، وستالينية، وسونجية، فما المانع من وجود الأسدية. 

يقول الخبر الذي حَرَّك مزاجَنا باتجاه المزاح والضحك؛ بحسب ما أورده الصديق معن البياري، في إحدى زواياه، إن انتخابات رابطة الكتاب الأردنيين، التي انتهت بهزيمة تيار الكتّاب المؤيدين لنظام الأسد الوريث، لم تجعل هؤلاء الأسديين يستسلمون للهزيمة، بل سرعان ما امتصوا الصدمة، وانتقلوا إلى موقع الهجوم، فأعلنوا، عبر وسائل الإعلام، أن الفريق الآخر الذي فاز بالانتخابات، ما كان ليفوز لولا دعمُ الدكتور عزمي بشارة الذي يتبنى، عادةً، التيارات السلفية، والداعشية!

في بداية الثورة السورية، حدثت حادثة ذات طبيعة أسدية خالصة، فحينما خرج حوالي خمسمئة مواطن من حي بابا عمرو في مدينة حمص، في مظاهرة تنادي بإسقاط نظام الوريث، سارعتْ وسائل الإعلام السورية إلى توليف أكذوبةٍ لا تخطر ببال إنسان، أو جان، أو حيوان، تقول إن أهالي بابا عمرو قد رفعوا في تلك المظاهرة: العَلَم الإسرائيلي. وسرعان ما تلقف فَنِّيُّو الإعلام السوري الفكرة، وهرعوا إلى "الفوتوشوب" ليُدْخلوا في ثنايا صورة المتظاهرين العَلَمَ الإسرائيلي، ويضعوا حوله دائرة، لكي يتمكن المشاهدون من معاينته، والتأكد من مصداقية الخبر. هذه الدائرة ذكّرتنا بكتابٍ أصدرته ثانوية جول جَمَّال في اللاذقية سنة 1995، بمناسبة اليوبيل الفضي لانقلاب الحركة التصحيحية، نشرت فيه صور قديمة، بالأبيض والأسود، لمجموعة من تلاميذ جول جَمَّال، بوضعيات متباينة، ووضعت على الصور أسهماً بقلم الرصاص، تشير نحو رأس كبير ووجه مستطيل لأحد الفتيان، مع شروحات تنص على أنه حافظ الأسد، وأنه كان يهوى العمل النضالي الطلابي، منذ نعومة أظافره، وكان موقعه، على الدوام، هو موقع القائد.

يقول بعض إخوتنا المعارضين لنظام الأسد إن إعلام النظام السوري يشتغل دائماً على (استحمار) السوريين، لا سيما حينما يقدّم لهم أفكاراً ومعلوماتٍ، لا يمكن أن يقبلها عقل الحمار القبرصي الذي تُقَدم له الطعام (العَلِيق)، فيرفسك بزوج قائمتيه الخلفيتين. وهذا، برأينا، خطأ، فإعلام النظام السوري يعرف أن معلوماته وادعاءاته سخيفة، ولا يقبلها العقل، لكنه يصر على تقديمها للناس من باب القَسر، والاستبداد، والغصب. يعرف، حق المعرفة، أن السوريين تَشَرَّبُوا بغضَ إسرائيل منذ أربعينيات القرن العشرين، وذهبوا، يومئذ، لمواجهة بداية المشروع الصهيوني الاستيطاني، بأسلحة بدائية، وضَحُّوا بأرواحهم لأجل هذا الغرض، وظلوا على كراهيتهم إسرائيل إلى درجة أنهم كانوا يصدّقون أكاذيب الأسد نفسه بأنه معاد لإسرائيل.. ومهما عانوا من ظلم الأسد ونقموا عليه، تراهم يتّحدون معه، إذا استأنسوا منه رائحة عداء لإسرائيل، فما هو المنطق التافه الذي يجعلهم يرفعون العَلَمَ الإسرائيلي إبّان ثورتهم على الأسد؟

يمكننا الآن، بعد هذه (التَّكْويعة) الطويلة، أن نعود إلى موضوع رابطة الكتاب الأردنيين، ونقف على حقيقة تسلل الأسدية إلى ذلك البلد الآمن، من خلال محاولتهم إجبار عقولنا على تصديق فكرة أن عزمي بشارة؛ المفكر العَلماني الديمقراطي الليبرالي، ذا التاريخ الطويل الحقيقي في محاربة المشروع الصهيوني واستبداد الأنظمة الديكتاتورية، يدعم الخط الداعشي.

 

     

  

 

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...