15 نوفمبر 2024
الأردن: عام على حكومة الرزاز.. صعوبة الدفاع عن الذات
استقبل قطاع عريضٌ من الأردنيين الإعلان يوم 5 يونيو/ حزيران 2018، تكليف الدكتور عمر الرزاز (مواليد 1960) بتشكيل حكومةٍ جديدة، بتفاؤلٍ كبير وتقديرٍ ملحوظ، ليس فقط بالنظر إلى سمعةٍ طيّبةٍ أحرزها الرجل في أثناء توليه وزارة التربية والتعليم في حكومة هاني الملقي التي هتفت مظاهراتٌ ساخطةٌ في العاصمة عمّان، ومدنٍ أردنية أخرى، تطالب برحيلها، سيما بعد طرحها أمام مجلس النواب مشروع قانون معدّل للضريبة، يُنذر بأعباء ماليةٍ مضافةٍ على المواطن، وإنما أيضا لأن الرزاز وجهٌ من خارج النادي التقليدي للطبقة السياسية التي تتصدّر المشهد العام في الأردن، ولأنه لم يأت محمولا على رافعةٍ عشائريةٍ أو مناطقية، ولا مدعوما من قوىً عميقةٍ ونافذةٍ في الدولة الأردنية. وبذلك، صحّ ما تردّد، في حينه، إن حامل شهادتي الدكتوراه في التخطيط الحضري والقانون من جامعة هارفارد في الولايات المتحدة هو أحد أكثر رؤساء الوزراء الأردنيين شعبيةً عند تعيينه. وبسبب خبرته، سابقا، مديرا عاما للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، ورئيسا للفريق الفني الأردني لإعداد الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، افترض أردنيون كثيرون فيه معرفةً أوثق بالبطالة، وحاجة العاطلين الملحّة لفرص توظيف وتشغيل، مما لدى غيره من الخبراء والتكنوقراط في البلاد في هذا الشأن، غير أن عمله سابقا مديرا عاما للبنك الدولي في بيروت وواشنطن حَمَل أردنيين غير قليلين على ترشيد تفاؤلهم به.
ثقة تتناقص
دلّ على هذه المعطيات أن استطلاعا للرأي أنجزه، أياما بعد تشكيل الرزاز حكومته، في يوليو/ تموز 2018، مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، وهو مؤسسةٌ بحثيةٌ تجري دوريا مسوحا ميدانيةً واستطلاعاتٍ للرأي العام، كشف أن 81% من العيّنة الوطنية تفاءلوا بتكليف الرزاز بتشكيل الحكومة، واعتقد 69% أنه سيكون قادرا على تحمّل المسؤولية. ولكن استطلاعا تاليا بعد انقضاء مائة يوم على الحكومة انخفضت فيه النسبة إلى 49%، وهي النسبة نفسها في استطلاعٍ ثالثٍ بعد مائتي يوم على الحكومة التي كان من بواعث التشكيك في قدراتها، ومن علامات خيبة أملٍ مبكّرة بها، أنها ضمّت 15 وزيرا من الحكومة المُقالة التي طالبت اعتصامات الدوار الرابع في جبل عمّان (حيث دار رئاسة الوزراء) في أمسيات
رمضان 2018 بإقالتها. ومع اكتمال عامٍ على الحكومة، أعلن مركز الدراسات الاستراتيجية نتائج أحدث استطلاعاته، بهذه المناسبة، الأربعاء 19 يونيو/ حزيران الحالي، أبانت تناقصا جديدا في ثقة المواطنين الأردنيين في هذه الحكومة، والتي أجرى الرزاز عليها ثلاثة تعديلات وزارية، الأول بعد أقل من أربعة أشهر على تشكيلها، والثاني بعد سبعة أشهر، والثالث بعد 11 شهرا. ومن ذلك أنه، فيما حافظت نسب هذه الثقة بالدفاع المدني والقوات المسلحة والمخابرات العامة والأمن العام على مقاديرها، فإن نسبة الثقة بالحكومة، والتي كانت عقب التشكيل في يوليو/ تموز العام الماضي 44%، أصبحت 33%. وتناقصت بشأن درجة تحمّل الرئيس الرزاز مسؤولياته، من 69% من العيّنة الوطنية في استطلاع يوليو/ تموز 2018 إلى 47% في استطلاع الأسبوع الماضي، مرورا بـ 49% في استطلاعي المائة يوم والمائتي يوم.
ولم يبدُ أن الحكومة فوجئت بهذه النتائج، وهي التي تعيش، منذ أسابيع، حالةً دفاعيةً عن الذات أمام هجماتٍ حادّةٍ عليها، وخصوصا في وسائط التواصل الاجتماعي، وانتقاداتٍ عريضة في أوساط النخب والأحزاب والرأي العام. وفي إجابته على سؤالٍ بشأن التدنّي الظاهر لشعبية حكومته، والذي تدحرج تراجعا في العام الذي انقضى، قال عمر الرزاز، في برنامج "ستون دقيقة" في التلفزيون الأردني، يوم الجمعة الماضي، 21 يونيو/ حزيران 2019، إنه ليس لدى حكومته عصا سحرية، وإنها كانت على يقينٍ بأن سقف التوقعات بشأنها سينخفض، لأنها ستصطدم بالواقع، ومن ذلك أن بدائل قانون الضريبة لم تكن قابلةً للتطبيق، وحينما أقرّته كان متوقّعا أن تنخفض درجات التقييم. وأضاف إن وسائل التواصل الاجتماعي، على أهميتها، تغطّي الأخبار السلبية، ولا تلتفت إلى الأخبار الإيجابية. واعتبر أن هذا الأمر أثّر على الحكومة، ولكن من دون سوء نية، ولكن الخشية أن تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على المستقبل، فتنعكس إحباطا. وأوضح أن المشكلات الاقتصادية مثّلت تحدياتٍ حقيقيةً أمام الحكومة منذ تشكيلها.
حديث الإنجازات الحكومي
وأمام حدّة الاستهداف الذي ظلّ يهاجم الحكومة منذ أسابيعها الأولى، بصيغٍ قلّ فيها النقد المسلح بالمعطيات والإحصائيات والبيانات الموثّقة، وكثر فيها التربّص والتصيّد ومطالبات الحكومة بالاستقالة، وبتطاولٍ وتجرّؤٍ يفتقدان التهذيب والموضوعية، بدت طواقم الرزاز، سيما الناطقة باسم الحكومة، جمانة غنيمات، في حالة استنفارٍ دفاعيّ لم تتوقف، في محاولاتٍ لصدّ سيول الكلام الوفير عن إخفاقاتٍ متوالية للحكومة، وعن انعدام إنجازاتٍ لها. وفي هذه الأجواء، تحدّث وزير أردني مطلع لـ "العربي الجديد" عن حالة إفلاسٍ صعبةٍ كان الأردن يقترب منها، تُماثل ما جرى لليونان في عام 2010، غير أن جهودا كبرى طوّقت هذا التهديد الذي كان ماثلا،
وصار في الوسع أن يتم الحديث عن "تحسّنٍ إيجابي" في أداء الاقتصاد الأردني، شهده أخيرا، على الرغم من التحدّيات. وفي إيجازٍ أعدّته الحكومة لأبرز إنجازاتها في العام الذي انقضى، وتلقّت "العربي الجديد" نسخةً منه، إشارةٌ إلى ارتفاع إيرادات السياحة بنسبة 6.1% خلال الشهور الأربعة الأولى، لتبلغ أكثر من 1.32 مليار دولار مقارنةً مع 1.16 مليار في الفترة نفسها من العام الماضي. مضافا إلى ذلك ارتفاع احتياطي العملات الأجنبية لدى البنك المركزي الأردني، وانخفاض العجز التجاري خلال الربع الأول من عام 2019، وارتفاع بنسبة 9.5% لقيمة الصادرات خلال الربع الأول من 2019. وارتفاع حجم الصادرات الوطنية بنسبة 13.6% في يناير/ كانون الثاني 2019، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وتراجع العجز في الموازنة، وزيادة في رؤوس أموال الشركات المسجلة بنسبة 34% وعدد المؤسسات الفردية 14% خلال الربع الأول من العام الحالي، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. وتخفيض الضريبة العامة على المبيعات على مجموعة من السلع الأساسية الخاضعة لنسبة 10% و16% لتصبح 4%. وإطلاق الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية التي تتضمّن برامج ومشاريع لرعاية الأسر الفقيرة ودعمها، ومن ضمنها برنامج دعم بقيمة مائتي مليون دينار. ومعالجة الخلل في الضرائب بين نسب الضرائب على مدخلات الصناعة الوطنية ومخرجاتها. وتقول الحكومة في إيجازها (المفصّل والمدعم بالأرقام) إن الأردن يركّز على تسويق القطاعات الواعدة محليا ودوليا، مثل السياحة التي تشهد نموا كبيرا وأعدادا متزايدة من السياح.
الرزاز وابن خلدون
ليس من طبائع المواطن الأردني أن يحفل بارتفاع مداخيل السياحة، وارتفاع حجم الصادرات، وغير ذلك مما تراها حكومة الرزاز إنجازاتٍ يجب الالتفات إليها. كما أنه ليس مطلوبا من الحكومة أن تحرص على شعبيّتها، فلا تتخذ مما تصفها هي نفسُها قراراتٍ صعبةً في معالجة تحدياتٍ اقتصاديةٍ ظاهرةٍ في البلاد. ولذلك، يحدّث الرزاز زائرَه، كاتب هذه السطور، عن إجراءاتٍ حقيقيةٍ تتخذها حكومته للحفاظ على الاستقرار، حتى لو كان ذلك على حساب شعبيّتها، ويقول إن وعودا كثيرة طرحتها الحكومة تحققت، وأهمها الحفاظ على الاستقرار المالي للأردن، وإن كان هذا ضمن إنجازاتٍ غير محسوسةٍ من الأردنيين، ويرى أن من أسباب إحساس الأردنيين بالصعوبات الاقتصادية النمط الاستهلاكي الذي صاروا عليه مع ثبات الرواتب، ومن ذلك تدريس الطبقة الوسطى أبناءها في المدارس الخاصة، والعلاج في المستشفيات الخاصة، وغيرها من أبواب الإنفاق الجديدة. ويعتقد الرزاز أن الأردن قادرٌ على تحسين وضعه الاقتصادي، كما عملت دولٌ كثيرةٌ ذات الإمكانات والثروات المحدودة، مثل سنغافورة، وأن التغير في الهيكل الصناعي العالمي، وبروز التخصّص في الصناعة، يمكن أن يساهما في تطور الأردن اقتصاديا. ويرى أن اعتماد الأردن على نفسه اليوم ليس حُلما، خصوصا مع انخفاض أسعار الطاقة، ووجود مصادر عديدة للطاقة البديلة. ويلحظ رئيس الحكومة الأردنية تغيّرا في تعامل دول الخليج مع بلاده، إذ لن تقدّم المنح، بل ستقوم بالاستثمار، لكون أسلوب المنح لم يعد مُجديا بالنسبة لها، وأفاد بأن الأردن يرحب بهذا التحوّل.
والمرجّح أن يرى أردنيون كثيرون، سيما من العاملين في الإعلام ومن ناشطي التواصل
الاجتماعي، ومن النخب من قادة الرأي، هذه الأقوال موصولةً بوعودٍ عديدةٍ أطلقتها حكومة الرزاز التي تُؤاخَذ على ذلك، وعلى أنها آثرت إشاعة الأوهام والأحلام، ونثر المصطلحات والشعارات، من قبيل إطلاقها ما سمّته مشروع النهضة الذي قالت إنها تتبنّاه، سيما أن الرزاز ظلّ يوصف بأنه مثقفٌ "إصلاحي"، وصاحب لغةٍ عالية، ومتعاليةٍ على الواقع المعيش. وكان في بيان حكومته الذي تقدّم به في 25 يونيو/ حزيران 2018، لنيل ثقة مجلس النواب، قد تعهد بأن يجعل من نظرية ابن خلدون، عن المُلك والعُمران، "أساسًا لبرنامجه في الحكومة وللنهضة الوطنية الشاملة التي تكلّف بتنفيذها". واستذكر مقولة ابن خلدون "المُلك بالجُند، والجُند بالمال، والمال بالخراج، والخراج بالعمارة، والعمارة بالعدل". وقال للنواب إن "هذه المعادلة التي طرحها ابن خلدون قبل ستة قرون لم تتغيّر من يومها إلى الآن، وهي تعني، في ترجمتها الراهنة، أن مناعة الدولة تتأتى من قدرتها على حماية كيانها ومصالحها، وحماية مصالحها تتأتّى من قوتها الذاتية التي تتأتّى من قوتها الاقتصادية التي بدورها تتأتّى من دولة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية". وتعهد الرزاز بإنجاز 16 مهمة خلال المائة يوم الأولى من تشكيل الحكومة، وقال أمام النواب إن "الحكومة تدرك تمام الإدراك مقدار الاهتزاز في الثقة الذي اعترى العلاقة مع المواطن". وأضاف "أقولها بكل صراحة وجرأة، وبمنتهى الوضوح: لقد طفح الكيل لدى المواطن، وبات يضيق ذرعًا بكل السياسات والقرارات التي نتخذها، فدخلُه لم يتحسّن، بل تراجع مع تراجع القوة الشرائيّة، والكثير من أبناء وبنات الوطن ما زالوا بلا عمل".
البطالة وغيرها
وتلتقي إشارة رئيس الحكومة، المبكّرة هذه، أمام النواب مع ما كشف عنه استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية، المعلن أخيرا (19 يونيو/ حزيران 2019)، أن العينة الوطنية من الأردنيين يعتقدون أن البطالة أهم مشكلة تواجه الأردن (36%)، يليها الفقر (15%)، ثم الوضع الاقتصادي السيئ بصفة عامة (14%) وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة (13%)، والفساد بصفة عامة (الواسطة والمحسوبية) (11%). وأيا تكن المواقف من أداء الحكومة في مختلف الملفات، إلا أن في الوسع أن يشار إلى وضوح رئيسها، عمر الرزاز، في إحاطته الجمهور العام بشأن قضية البطالة، فقد أفاد، في حديثه للتلفزيون الأردني يوم الجمعة الماضي (21/6/2019)، بأن البطالة هي أول هموم المواطن، وأن السوق الأردني يولّد بشكل طبيعي 35 ألف فرصة عمل سنويا، موضحا أن في الأردن 300 ألف عاطل. وقبل ذلك، استمع منه الكاتب يقول إن الجامعات والمعاهد تُخرّج سنويا ما يزيد عن 120 ألف طالب، فيما القدرة التشغيلية في البلاد لا تتجاوز ما بين 40 ألف إلى 50 ألف فرصة عمل. وفي إيجازها الذي استعرضت فيه إنجازاتها في عامها الذي انقضى، قالت الحكومة إن برامج التشغيل الحكومية وفّرت 8216 فرصة عمل خلال الربع الأول من العام الحالي، وأعلنت عن ثمانية آلاف وظيفة شاغرة في القطاع العام، وحصل خمسة آلاف أردني على موافقات للعمل في قطر. وفي الوقت نفسه، تقول الحكومة إن على الشباب الأردني أن يدرك التغيير الكبير في علاقته بالدولة اقتصاديا، فالدولة لم تعد المشغّل الأول، وانتظار الوظيفة ليس خيارا واقعيا، فمن الضروري الاتجاه نحو المشروعات الريادية والمتوسطة والصغيرة.
دلّ على هذه المعطيات أن استطلاعا للرأي أنجزه، أياما بعد تشكيل الرزاز حكومته، في يوليو/ تموز 2018، مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، وهو مؤسسةٌ بحثيةٌ تجري دوريا مسوحا ميدانيةً واستطلاعاتٍ للرأي العام، كشف أن 81% من العيّنة الوطنية تفاءلوا بتكليف الرزاز بتشكيل الحكومة، واعتقد 69% أنه سيكون قادرا على تحمّل المسؤولية. ولكن استطلاعا تاليا بعد انقضاء مائة يوم على الحكومة انخفضت فيه النسبة إلى 49%، وهي النسبة نفسها في استطلاعٍ ثالثٍ بعد مائتي يوم على الحكومة التي كان من بواعث التشكيك في قدراتها، ومن علامات خيبة أملٍ مبكّرة بها، أنها ضمّت 15 وزيرا من الحكومة المُقالة التي طالبت اعتصامات الدوار الرابع في جبل عمّان (حيث دار رئاسة الوزراء) في أمسيات
ولم يبدُ أن الحكومة فوجئت بهذه النتائج، وهي التي تعيش، منذ أسابيع، حالةً دفاعيةً عن الذات أمام هجماتٍ حادّةٍ عليها، وخصوصا في وسائط التواصل الاجتماعي، وانتقاداتٍ عريضة في أوساط النخب والأحزاب والرأي العام. وفي إجابته على سؤالٍ بشأن التدنّي الظاهر لشعبية حكومته، والذي تدحرج تراجعا في العام الذي انقضى، قال عمر الرزاز، في برنامج "ستون دقيقة" في التلفزيون الأردني، يوم الجمعة الماضي، 21 يونيو/ حزيران 2019، إنه ليس لدى حكومته عصا سحرية، وإنها كانت على يقينٍ بأن سقف التوقعات بشأنها سينخفض، لأنها ستصطدم بالواقع، ومن ذلك أن بدائل قانون الضريبة لم تكن قابلةً للتطبيق، وحينما أقرّته كان متوقّعا أن تنخفض درجات التقييم. وأضاف إن وسائل التواصل الاجتماعي، على أهميتها، تغطّي الأخبار السلبية، ولا تلتفت إلى الأخبار الإيجابية. واعتبر أن هذا الأمر أثّر على الحكومة، ولكن من دون سوء نية، ولكن الخشية أن تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على المستقبل، فتنعكس إحباطا. وأوضح أن المشكلات الاقتصادية مثّلت تحدياتٍ حقيقيةً أمام الحكومة منذ تشكيلها.
حديث الإنجازات الحكومي
وأمام حدّة الاستهداف الذي ظلّ يهاجم الحكومة منذ أسابيعها الأولى، بصيغٍ قلّ فيها النقد المسلح بالمعطيات والإحصائيات والبيانات الموثّقة، وكثر فيها التربّص والتصيّد ومطالبات الحكومة بالاستقالة، وبتطاولٍ وتجرّؤٍ يفتقدان التهذيب والموضوعية، بدت طواقم الرزاز، سيما الناطقة باسم الحكومة، جمانة غنيمات، في حالة استنفارٍ دفاعيّ لم تتوقف، في محاولاتٍ لصدّ سيول الكلام الوفير عن إخفاقاتٍ متوالية للحكومة، وعن انعدام إنجازاتٍ لها. وفي هذه الأجواء، تحدّث وزير أردني مطلع لـ "العربي الجديد" عن حالة إفلاسٍ صعبةٍ كان الأردن يقترب منها، تُماثل ما جرى لليونان في عام 2010، غير أن جهودا كبرى طوّقت هذا التهديد الذي كان ماثلا،
الرزاز وابن خلدون
ليس من طبائع المواطن الأردني أن يحفل بارتفاع مداخيل السياحة، وارتفاع حجم الصادرات، وغير ذلك مما تراها حكومة الرزاز إنجازاتٍ يجب الالتفات إليها. كما أنه ليس مطلوبا من الحكومة أن تحرص على شعبيّتها، فلا تتخذ مما تصفها هي نفسُها قراراتٍ صعبةً في معالجة تحدياتٍ اقتصاديةٍ ظاهرةٍ في البلاد. ولذلك، يحدّث الرزاز زائرَه، كاتب هذه السطور، عن إجراءاتٍ حقيقيةٍ تتخذها حكومته للحفاظ على الاستقرار، حتى لو كان ذلك على حساب شعبيّتها، ويقول إن وعودا كثيرة طرحتها الحكومة تحققت، وأهمها الحفاظ على الاستقرار المالي للأردن، وإن كان هذا ضمن إنجازاتٍ غير محسوسةٍ من الأردنيين، ويرى أن من أسباب إحساس الأردنيين بالصعوبات الاقتصادية النمط الاستهلاكي الذي صاروا عليه مع ثبات الرواتب، ومن ذلك تدريس الطبقة الوسطى أبناءها في المدارس الخاصة، والعلاج في المستشفيات الخاصة، وغيرها من أبواب الإنفاق الجديدة. ويعتقد الرزاز أن الأردن قادرٌ على تحسين وضعه الاقتصادي، كما عملت دولٌ كثيرةٌ ذات الإمكانات والثروات المحدودة، مثل سنغافورة، وأن التغير في الهيكل الصناعي العالمي، وبروز التخصّص في الصناعة، يمكن أن يساهما في تطور الأردن اقتصاديا. ويرى أن اعتماد الأردن على نفسه اليوم ليس حُلما، خصوصا مع انخفاض أسعار الطاقة، ووجود مصادر عديدة للطاقة البديلة. ويلحظ رئيس الحكومة الأردنية تغيّرا في تعامل دول الخليج مع بلاده، إذ لن تقدّم المنح، بل ستقوم بالاستثمار، لكون أسلوب المنح لم يعد مُجديا بالنسبة لها، وأفاد بأن الأردن يرحب بهذا التحوّل.
والمرجّح أن يرى أردنيون كثيرون، سيما من العاملين في الإعلام ومن ناشطي التواصل
البطالة وغيرها
وتلتقي إشارة رئيس الحكومة، المبكّرة هذه، أمام النواب مع ما كشف عنه استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية، المعلن أخيرا (19 يونيو/ حزيران 2019)، أن العينة الوطنية من الأردنيين يعتقدون أن البطالة أهم مشكلة تواجه الأردن (36%)، يليها الفقر (15%)، ثم الوضع الاقتصادي السيئ بصفة عامة (14%) وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة (13%)، والفساد بصفة عامة (الواسطة والمحسوبية) (11%). وأيا تكن المواقف من أداء الحكومة في مختلف الملفات، إلا أن في الوسع أن يشار إلى وضوح رئيسها، عمر الرزاز، في إحاطته الجمهور العام بشأن قضية البطالة، فقد أفاد، في حديثه للتلفزيون الأردني يوم الجمعة الماضي (21/6/2019)، بأن البطالة هي أول هموم المواطن، وأن السوق الأردني يولّد بشكل طبيعي 35 ألف فرصة عمل سنويا، موضحا أن في الأردن 300 ألف عاطل. وقبل ذلك، استمع منه الكاتب يقول إن الجامعات والمعاهد تُخرّج سنويا ما يزيد عن 120 ألف طالب، فيما القدرة التشغيلية في البلاد لا تتجاوز ما بين 40 ألف إلى 50 ألف فرصة عمل. وفي إيجازها الذي استعرضت فيه إنجازاتها في عامها الذي انقضى، قالت الحكومة إن برامج التشغيل الحكومية وفّرت 8216 فرصة عمل خلال الربع الأول من العام الحالي، وأعلنت عن ثمانية آلاف وظيفة شاغرة في القطاع العام، وحصل خمسة آلاف أردني على موافقات للعمل في قطر. وفي الوقت نفسه، تقول الحكومة إن على الشباب الأردني أن يدرك التغيير الكبير في علاقته بالدولة اقتصاديا، فالدولة لم تعد المشغّل الأول، وانتظار الوظيفة ليس خيارا واقعيا، فمن الضروري الاتجاه نحو المشروعات الريادية والمتوسطة والصغيرة.
تلقى الحكومة الأردنية صعوبةً في ترويج خطابها هذا، وتسويق ما تنسبه لنفسها من نجاحاتٍ، ليس فقط بسبب الحديث الذي تُشيعه نخبٌ واسعةٌ في البلاد عن "فشل حكومة الوعود"، و"خذلانها الجميع"، بحسب تعبير الوزير المخضرم، ممدوح العبادي، ولا بسبب ما كشفه تقرير "راصد" الذي أصدرته مؤسسة مركز الحياة (مؤسسة مجتمع مدني) أخيرا، وفيه أن حكومة الرزاز لم تنجز سوى 14% من 299 التزاما تعهّدت به، وإنما قبل ذلك وبعده لعدم استشعار المواطن أوضاعا عامة تتحسّن، في بلد تقول دائرة الإحصاءات العامة فيه إن نسبة الفقر المطلق فيه تصل إلى 15.7%، وفيها 1.3 مليون سوري (عاد من اللاجئين منهم 15117 من أكتوبر/ تشرين الأول 2018 إلى أوائل إبريل/ نيسان 2019، بحسب الحكومة). ويعلن المجلس الاقتصادي والاجتماعي إن البلاد تعيش أسوأ أحوالها، وذلك في تقريره في ديسمبر/ كانون الأول 2018، والذي اعتبره رئيس المجلس، مصطفى الحمارنة، جردة حسابٍ، وفيه أن البلاد تعيش أزمةً مركبةً ومتعدّدة الأوجه، وأن الضعف في أداء مؤسسات الدولة واضحٌ، وتتراكم آثاره سنةً بعد سنة. وأمام حقائق من هذا القبيل، مع انحسار الحديث عن إصلاح سياسي، وإنْ يعِد الرزاز بتقديم مشروعي قانونين للأحزاب والانتخابات للبرلمان، وأمام نشاط الحراكات المبعثرة، والتي يتعرّض نشطاء فيها إلى اعتقالات واستدعاءات أمنية، وأمام شعورٍ حادٍّ متوطّن لدى الشباب الأردني بمحدودية خيارات المستقبل أمامه، كما عبّر عن ذلك شبابٌ من الكرك، تحدّثوا عن ذلك صراحةً أمام الملك عبدالله الثاني في زيارته المدينة قبل أيام، أمام هذا كله، وغيره كثير، تبدو فرص نجاح حكومة الرزاز في دفاعها المتواصل عن نفسها قليلة.